سارع إلى حمل أخفها كما يسارع إلى الابتعاد عن أثقلها, ولا يتعرض لحمل المسئوليات الثقيلة إلا كارهاً أو مضطراً حين يجد بداً من حملها أو لا يجد مخرجاً لتركها, فالقاضي يشعر عادة بثقل مسئوليته حين يفكر في الحكم بالإعدام وتنفر نفسه غالباً من مثل هذا الحكم ولا يقدم عليه ما دام يستطيع أن يستبدل الإعدام الأشغال الشاقة, وكذلك ينفر من الحكم بالأشغال الشاقة ويشعر بثقله على نفسه طالما كان في استطاعته أن يحكم بالسجن أو بالحبس, وقد يضايق القاضي أن يحكم على شخص ما لظروفه بالحبس مع النفاذ, ولكنه لا يرى غضاضة في الحكم عليه بالحبس مع إيقاف تنفيذ العقوبة, كذلك لا ينفر القاضي ولا يتردد أن يحكم بعقوبة ما أياً كان نوعها إذا لم يكن يستطيع أن يختار غيرها أو يستبدل بها أخف منها, وليس القاضي بدعاً في هذا, وإنما هي طبيعة الإنسان لا تتغير حتى يتغير تكوينه, فمن طلب منه أن يأتي بما ليس في طبيعته فقد طلب المحال وباء بالخسران والخزلان.
٥٠١ - فشل واضعي القانون في علاج مشكلة العقاب ومظاهره: ونستطيع أن نتبين مما سبق أن واضعي القانون قد أخفقوا ذريعاً حين أرادوا معالجة مشكلة العقاب علاجاً عملياً عن طريق القضاة, ويتمثل ذلك الإخفاق في مظهرين لكل منهما أهميته وأثره وهما:
أولاً: تعطيل العقوبات الأصلية: ترتب على إعطاء القضاة السلطان التام في اختيار العقوبة واستبدال غيرها بها أن تعطلت العقوبات التي وضعت أصلاً للجرائم بحيث أصبحت في حكم الملغاة؛ لأن القاضي كما قلنا لا يلجأ إلى التشديد إذا سد أمامه باب التخفيف, ويندر أن يغلق دونه هذا الباب, ولا يطبق القاضي العقوبة الأصلية طالما استطاع أن يطبق العقوبة الاحتياطية, وهو لا يكاد يعجز عن ذلك في كل الأحوال.
فعقوبة الإعدام وهي مقررة لحوالي عشرين جريمة يندر تطبيقها الآن, مع أن جريمة القتل - وهي إحدى الجرائم العشرين التي يعاقب عليها بالإعدام - تقع بمعدل