إلا عقوبات تعزيرية، وهي عقوبات جنائية، فكأن الجاني يعاقب مرتين بعقوبات جنائية على فعل واحد، فضلاً عن أن عقوبات الحدود والقصاص هي أشد العقوبات في الشريعة، وفيها الكفاية لتأديب الجاني وزجره.
وإذا كان الجاني موظفاً فإنه يمكن عزله أو وقفه عن الوظيفة إذا ثبتت عليه الجريمة، ويصح اعتبار العزل والوقف عقوبة تعزيرية سببها ارتكاب الجريمة، كما يصح أن يقال إن العزل والوقف لم يقصد بهما العقاب، وأن سببهما زوال صلاحية الجاني لشغل الوظيفة أو مباشر أعمالها، لأن الوظائف في الأصل لا يتولاها المجرمون، فإذا تولاها من ليس مجرماً ثم أجرم أصبح بإجرامه غير صالح لتولي الوظيفة حيث زالت صلاحيته بارتكابه الجريمة.
وإذا لم تكن الجريمة التي ارتكبها الموظف حداً أو قصاصاً فهي من التعازير، لأن كل ما عدا الحدود والقصاص يدخل في التعازير سواء جاءت به نصوص الشريعة أم حرمته الهيئة التشريعية طبقاً للسلطان الذي منحته لها نصوص الشريعة، وإذا كانت الجريمة من التعازير فلا تجوز فيها المحاكمة التأديبية، لأن العقوبات التأديبية كالتوبيخ والإنذار والعزل وما أشبه ذلك - كل هذه العقوبات تعزيرية، فلو حوكم الموظف مثلاً تأديبياً ثم حوكم جنائياً ثم حوكم جنائياً لعوقب كل مرة بعقوبة تعزيرية، ولكانت النتيجة أنه حوكم مرتين على فعل واحد هو جريمة تعزيرية، وعوقب مرتين على نفس الفعل بعقوبة تعزيرية أي عقوبة جنائية، وهذا ما تأباه نصوص الشريعة، لأن القاعدة العامة فيها أن لا يعاقب الإنسان على فعل واحد مرتين. فالمانع إذن من اعتبار الجريمة تأديبية أن الفعل يعتبر جريمة جنائية، وأن العقوبة التي يمكن أن توقع في المحاكمة التأديبية هي نفس العقوبة التي يمكن أن توقع في المحاكمة الجنائية، أي أن المانع هو اتحاد الفعل واتحاد العقوبة.
والأسباب التي منعت من وجود الجريمة التأديبية في الشريعة الإسلامية تتوفر بصورة عكسية في دائرة القوانين الوضعية، إذ الأصل في هذه القوانين