حد غير معقول, خصوصاً إذا راعينا أن بعض الفقهاء يرون أن لا يصل الحد الأعلى لعقوبة الحبس إلى سنة كاملة, أو أن أولي الأمر يجعلون الحد الأعلى لعقوبة الحبس ثلاث سنوات غالباً, وفضلاً عن هذا فإن القاعدة الثانية من نظرية التداخل تعمل غالباً في هذه الحالة فتنزل بالعقوبة؛ لأن الجرائم المتماثلة توضع عقوباتها غالباً لحماية هدف واحد, وإذا كانت العقوبات موضوعة لغرض واحد تداخلت عقوبات الجرائم المتعددة.
وإذا كانت الشريعة تتفق مع القانون في تقرير نظرية الجب فإنهما يختلفان في مدى تطبيقها. ففي الشريعة لا تطبق نظرية الجب إلا إذا اجتمعت عقوبة القتل مع عقوبات أخرى على التفصيل الذي سبق ذكره, أما في القانون فتطبق نظرية الجب في هذه الحالة وفي حالة اجتماع عقوبة الأشغال الشاقة مع عقوبة أخرى مقيدة للحرية حيث تجب عقوبة الأشغال الشاقة بمقدار مدتها كل عقوبة أخرى مقيدة للحرية, ولم تكن الشريعة في حاجة لتقرير هذه الحالة الخطيرة؛ لأن عقوبة الحبس كما قلنا ليست عقوبة أساسية في الشريعة من ناحية, ولأن مددها قصيرة من ناحية أخرى, ولأنه لا يمكن من وجه ثالث أن تستحيل إلى عقوبة مؤبدة للأسباب التي بسطناها سابقاً, ولأن الشريعة فضلاً عن ذلك كله لم تنوع الحبس أنواعاً متعددة مختلفة؛ فالحبس فيها كله من نوع واحد ودرجة واحدة ما دام محدد المدة.
وإذا كانت الشريعة قد قررت نظرية الحبس غير المحدد المدة فإنها قد أخذت بها على إطلاقها وعلقت إخلاء سبيل المحكوم عليه على انصلاح حاله وتوبته توبة نصوحاً, فلم يكن هناك داع لتحديد مدة قصوى للحبس؛ لأن الإفراج يتم بالتوبة وصلاح حال المحكوم عليه لا بمضي مدة معينة عليه في الحبس, ويستوي بعد ذلك أن يتوب فيخلى سبيله أو يظل في محبسه حتى يموت؛ لأن الغرض من حبسه هو كف شره عن الجماعة فإذا انكف شره بالتوبة أخلي سبيله, وإذا لم يتب فالمحبس يكف شره حتى يأتيه الموت.