قرناً تتفق تمام الاتفاق مع أحدث ما وصلت إليه القوانين الوضعية, ولكن الشريعة في الواقع تمتاز على القوانين الوضعية بأنها تعاقب معتادي الإجرام ومحترفيه فيه بالقتل وبالتخليد في السجن, وهما العقوبتان اللتان تصبو إليهما بصفة عامة نفوس شراح القوانين الوضعية, وعلى الأخص أصحاب نظريتي تدابير الأمن mesure de suete وغرق الاستئصال procede d' elemination, فهؤلاء يرون أن يستأصل معتاد الإجرام من الجماعة, أو أن يحبس حبساً غير محدد المدة بحيث يكف شره عن الجماعة, ولكن القوانين الوضعية لم تأخذ بهذه الآراء على إطراقها, واكتفت بالأخذ بنظرية الحبس غير المحدد المدة بعد أن وضعت على هذه النظرية من القيود ما يجعل الحبس في النهاية حبساً محدد المدة, كما بينا في الأمثلة التي ذكرناها عن القوانين المصري والإيطالي والفرنسي.
وهكذا يتبين أن الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية في تنظيم العود وتقرير قواعده, ولا يزال سابقة لهذه القوانين فيما يختص بتقرير تدابير الأمن وطرق الاستئصال وتطبيقها على الوجه الذي ينادي به شراح القوانين أنفسهم.