(٢) يحسن بالقارئ أن يرجع إلى ما كتبناه عن هذا الموضوع فى الجء الأول من كتابنا حيث تكلمنا عنه بتوسع. (٣) الأصل فى الشريعة الإسلامية أن من ارتكب جريمة حوكم عليها فإن ثبتت عليه حكم عليه= =بالعقوبة المقررة للجريمة وإن لم تثبت حكم ببراءته مما نسب إليه, وإذا حكم عليه بالعقوبة تولى تنفيذها ولى الأمر أو نائبه , ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز أن يقيم الحد - أى العقوبات المقررة لجرائم الحدود - إلا الإمام أو نائبه؛ لأن الحد حق الله تعالى أى حق الجماعة وجب تفويضه الى نائب الجماعة , ولأن الحد مفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن فى استيفائه من الحيف والزيادة على الواجب فوجب تركه لولى الأمر يقيمه إن شاء بنفسه أو بواطة نائبه. ... وحضور الإمام ليس شرطاً فى إقامة الحد لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم ير حضوره لازماً فقال: "اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" وأمر عليه السلام برجم ماعز ولم يحضر الرجم , وأتى بسارق فقال: "اذهبوا به فاقطعوه".
... لكن إذن الإمام واجب فى إقامة الحد , فما أقيم حد فى عهد رسول الله إلا بإذنه وما أقيم حد فى عهد الخلفاء إلا بإذنهم (المذهب ج٢ ص٢٨٧) . ومما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع إلى الولاة: الحدود , والصقات , والجمعات , والفئ" (شرح فتح القدير ج٤ ص١٣٠) . وإذا كانت القاعدة العامة إقامة الحد للإمام أو نائبه إلا أنه لو اقامة غيره من الافراد فإن مقيمه لا يسأل عن إقامته اذا كان الحد متلفاً للنفس أو للطرف؛ أى إذا كان الحد قتلاً أو قطعاً وإنما يسأل باعتباره مفتاتاً على السلطات العامة , أما إذا كان الحد غير متلف كالجلد فى الزنا والقذف فإن مقيمه يسأل عن إقامته أى أنه يسأل عن الضرب والجرح وما يخلف عنهما. والفرق بين الحالين أن الحد المتلف للنفس أو الطرف يزيل عصمة النفس وعصمة الطرف , وزوال العصمة عن النفس يبيح القتل وزوال العصمة عن الطرف يبيح القطع , فيصير قتل النفس أو قطع العضو مباحاً ولا جريمة فيما هو مباح. أما الحد غير المتلف فلا يزيل عصمة النفس ولا عصمة الطرف فيبقى معصوماً ومن يرتكب جريمة عقوبتها حد غير متلف , وتعتبر إقامة الحد عليه جريمة ما لم تكن الإقامة ممن يملك تنفيذ العقوبة.