للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقلية الشراح ترى أن الترك يصلح سبباً للجريمة كالفعل تماماً، لأن كليهما يرجع إلى إرادة الإنسان، وقد انتهت الغالبية إلى التسليم بأن الترك يصلح سبباً للجريمة، ولكنهم لم يأخذوا بهذا المبدأ على إطلاقه، وقيدوه بأن يكون الشخص مكلفاً في الأصل بالعمل، وأن يكون الامتناع أو الترك مخالفة لهذا التكليف، ويستوي عندهم أن يكون مصدر التكليف بالعمل القانون أو الاتفاق. ومن الأمثلة التي يضربها شراح القوانين على القتل بالترك: حبس شخص دون حق ومنع الطعام عنه بقصد قتله، وامتناع الأم عمداً عن إرضاع ولدها بقصد قتله. ويضربون مثلاً على الحالة التي لا مسئولية فيها: الامتناع عن إنقاذ مشرف على الغرق، أو إنسان أحاطت به النار، أو أقدم على افتراسه سبع. والأمثلة في الحالين تكاد تكون نفس الأمثلة التي يضربها فقهاء الشريعة الإسلامية.

٦١ - الفرق بين الشريعة والقانون: ويلاحظ أن اشتراط شراح القوانين أن يكون العمل واجباً بمقتضى القانون أو الاتفاق يساوي تماماً ما يشترطه فقهاء الشريعة من أن يكون العمل واجباً بمقتضى الشريعة، لأن الشريعة توجب الوفاء بالعقود والاتفاقات طبقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ، فمن كان عليه واجب طبقاً لاتفاق فهو واجب أيضاً طبقاً للشريعة ما دام لا يخرج على نصوصها أو روحها فالشريعة والقانون يتفقان تماماً في هذه النقطة.

ولكن الشريعة تخالف القوانين الوضعية في أنها تجعل الجاني مسئولاً عن الترك والامتناع إذا كان العرف يوجب على الشخص أن يعمل ولا يمتنع، ولا شك أن الشريعة منطقية في هذا التوسع، لأن الشرائع والقوانين جميعاً بل واتفاقات الأفراد تفترض أن ما يفرضه العرف يجب اتباعه، ولا معنى لأن ينص في الاتفاقات على واجبات مقررة بمقتضى العرف ومتعارف عليها من الجميع، فإذا سئل الشخص عن واجب يفرضه اتفاق دولي فأولى به أن يسأل عن

<<  <  ج: ص:  >  >>