للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفعل قتلاً عمدًا ودرأ القصاص للشبهة طبقًا لقوله عليه السلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" ومن ثم رأى القضاء بالدية المغلظة بدلاً من القصاص؟ أم أنه اعتبر الفعل قتلاً خطأ ورأى تغليظ الدية لشناعة الجريمة؟ الراجح أن الفعل يعتبر قتلاً عمدًا وأن القصاص درء للشبهة المتمكنة فى القصد كما سنبينه بعد، على أنه يمكن القول باعتبار الفعل خطأ ثم تغليظ الدية لشناعة الجريمة، والأم فى ذلك مثل الأب فى الحكم فى حالة تغليظ الدية، ومثل الوالد الجد ومثل الولد ولد الولد.

وهناك رأى ثالث بأن مالكًا اعتبر الفعل قتلاً شبه عمد وأنه لم يسلم بالقتل شبه العمد إلا فى هذه الحالة، وهو رأى له سند فى المذهب وإنما جاء به أصحابه تعليلاً للحكم ولا شك أن أحد العقابين السابقين أجدر منه بالقبول واقرب إلى المبدأ الذى قام عليه المذهب.

وبهذه المناسبة يحسن أن نفصل القول عن تطبيق قاعدة درء الحدود بالشبهات فى جريمة القتل، فمعنى هذه القاعدة أن كل شبهة قامت فى فعل الجانى أو قصده يترتب عليها درء الحد إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود، ويعاقب الجانى بدلاً من عقوبة الحد بعقوبة تعزيرية ومن السهل تطبيق هذه القاعدة فى جرائم الحدود جميعًا على هذه الصورة ولكن تطبيق القاعدة فى جرائم القتل نادر مع وبهذه المناسبة يحسن أن نفصل القول عن تطبيق قاعدة درء الحدود بالشبهات فى جريمة القتل، فمعنى هذه القاعدة أن كل شبهة قامت فى فعل الجانى أو قصده يترتب عليها درء الحد إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود، ويعاقب الجانى بدلاً من عقوبة الحد بعقوبة تعزيرية ومن السهل تطبيق هذه القاعدة فى جرائم الحدود جميعًا على هذه الصورة ولكن تطبيق القاعدة فى جرائم القتل نادر مع إمكانه فهى تقريبًا معطلة التطبيق وإن كانت فى الواقع تطبق معنًى لا صورة لأن القتل وهو فعل واحد قسم إلى أنواع مختلفة: عمد، وشبه عمد، وخطأ ففى العمد إذا قامت الشبهة فى الفعل فإنه لا يمكن درء الحد بالشبهة لأن الفعل بعد قيام الشبهة يكون قتلاً خطأ أو جرحًا وإذا قامت الشبهة فى القصد فإن الفعل يكون قتلاً شبه عمد، وهكذا يمنع تنوع القتل من تطبيق القاعدة وكذلك إذا كان الفعل قتلاً شبه عمد فقامت الشبهة فى الفعل أو القصد فإن الفعل يعتبر قتلاً خطأ أو جرحًا وإذا قامت الشبهة فى القتل الخطأ فإن الفعل يعتبر جرحًا خطأ فالشبهة فى القتل تحولّ نوع القتل إلى ما هو أدنى منه وتدرأ الحد الأعلى بالحد الأدنى فكأن القاعدة تطبق معنًى لا صورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>