للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو كذلك فى أغلب الأحوال فلا يحصل المجنى عليه من الدية على شئ، وهكذا تنعدم المساواة والعدالة بين المتهمين كما تنعدم بين المجنى عليهم. وقلنا إن هذا النظام قصد به أن يحصل المجنى عليهم على حقهم كاملاً وأنه يحقق العدالة والمساواة على جميع الوجوه، وقلنا أكثر من ذلك فليراجعه من شاء.

لكن هذا النظام على ما فيه من عدالة وتسوية بين المتهمين والمجنى عليهم لا يمكن أن يقوم فى عهدنا الحاضر لأن أساسه وجود العاقلة، ولا شك أن العاقلة ليس لها وجود الآن إلا فى النادر الذى لا حكم له وإذا وجدت فإن عدد أفرادها قليل لا تتحمل أن يفرض عليها كل الدية، ولقد كان للعاقلة وجود طالما احتفظ الناس بأنسابهم وقراباتهم وانتموا إلى قبائلهم وأصولهم، أما الآن فلا شئ من هذا بحيث يندر أن تجد شخصًا يعرف جده الثالث، وإذن فلا محيص من الأخذ بأحد الرأيين اللذين أخذ بهما الفقهاء من قبل، إما الرجوع على المجنى عليه بكل الدية، وإما الرجوع على بيت المال، والرجوع على المجنى عليه يؤدى إلى إهدار دماء أكثر المجنى عليهم لأن أكثر المتهمين فقراء وهذا لا يتفق مع أغراض الشريعة التى تقوم على حفظ الدماء وحياطتها وعدم إهدارها، والرجوع إلى بيت المال يرهق الخزانة العامة، ولكنه يحقق المساواة والعدالة ويحقق أغراض الشيعة والخوف من إرهاق الخزانة لا يجب أن يقف حائلاً دون تحقيق المساواة والعدالة ولا يصح أن يحول دون تحقيق أغراض الشريعة، فالحكومة تستطيع أن تدبر أمرها بفرض ضريبة عامة يخصص دخلها لهذا النوع من التعويض، ونستطيع أن نفرض ضريبة خاصة على المتقاضين لهذا الغرض، وإذا كانت الحكومات العصرية تلزم نفسها بإعانة الفقراء أو العاطلين، فأولى أن تلزم نفسها بتعويض ورثة القتيل المنكوبين، ولقد سبقتنا بعض البلاد الأوروبية إلى هذا العمل، فأنشأت صندوقًا لتعويض المجنى عليهم فى الجرائم إيراده المبالغ المتحصلة من الغرامات التى تحكم بها المحاكم، وهذا هو بالذات ما قصدته الشريعة الإسلامية من نظام

<<  <  ج: ص:  >  >>