للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واجتهادات ونظريات فقهاء القانون الدولي في العالم.

وعلماء التشريع وفقهاء القانون في الغرب يعتقدون أن مبادئ القانون الدولي العام بهذه المثابة من الأفكار الحديثة، التي ابتدعتها أوربا في العصور الأخيرة.

ونحن نوافق هؤلاء العلماء على اعتقادهم هذا. «ويلوح لنا أنه غير قابل للمناقشة والجدل ما دمنا نبعد بموضوعه عن محيط التاريخ الإسلامي فالنظام الدولي في الحقيقة لم يكن معروفا خارج هذا المحيط» «١» ؛ لأن الإسلام كان سبّاقا في وضع تشريع قانون دولي عام، تقوم على أساسه علاقات الأمم والشعوب، ولم يكن الإسلام معنيّا بوضع مبادئ لقانون دولي عام من الناحية النظرية فحسب، وإنما طبق هذه المبادئ تطبيقا عمليّا، وراعاها مراعاة كاملة في علاقاته الدولية مع الأمم الآخرى.

أما القانون الدولي العام الذي يفاخر به فقهاء الغرب، فإنه كان في معظم الأحيان حبرا على ورق، ولم يحقق المساواة بين الشعوب في الحقوق والواجبات؛ لأن منطلقه لم يكن أخلاقيّا من ناحية، ومن ناحية ثانية فهو تشريع وضعي ناقص لا يفي بحاجات الإنسان، ومن ناحية ثالثة فكثيرون من واضعيه من فقهاء الغرب كانت تغلب عليهم النظرة العنصرية.

«ألم يقل استيورات ميل: باستحالة تطبيق القانون على الشعوب الهمجية؟ أو لم يحدّد لوريمير على وجه الأرض مناطق ثلاثا تخضع كل منها لقانون مختلف؟

فالعالم المتمدن يجب أن يتمتع في نظره بحقوق سياسية كاملة، والعالم نصف المتمدن يكفي أن يتمتع بحقوق سياسية جزئية، بينما الشعوب غير المتحضرة ليس لها إلا حقوق عرفية لا تحمل إلزاما قانونيّا، وجاء ميثاق عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى فأقر هذا التقسيم وأكسبه سلطة القانون» «٢» وجلس الحلفاء المنتصرون في هذه الحرب حول موائد المفاوضات في مؤتمرات الصلح، ليقرروا مصير العالم بعد الحرب- حسب زعمهم- ولكنهم في الواقع جلسوا ليقسموا العالم فيما بينهم إلى مناطق نفوذ، ولما كان أسلوب الاستعمار العسكري القديم لم يعد مقبولا بعد الحرب، راح الحلفاء يبتدعون فكرة جديدة لبسط نفوذهم على الشعوب الضعيفة؛ وهي فكرة الانتداب والحماية، وكان هذا خداعا دوليّا ليس له نظير، فلقد ناقض الحلفاء أنفسهم، وضربوا بشعاراتهم التي رفعوها أثناء الحرب- عن إعطاء الشعوب


(١) د. دراز- دراسات إسلامية (ص ١٤٠) .
(٢) د. دراز- المرجع السابق (ص ١٤١) .

<<  <   >  >>