عقائدهم وأرواحهم وممتلكاتهم، وأكثر من ذلك تبسط في معاملة صاحب أيلة وأهداه «رداء من نسج اليمن، وأحاطه بكل صنوف الرعاية»«١» .
بعد أن رتب النبي صلّى الله عليه وسلم أوضاع منطقة الحدود الشمالية الغربية لشبه الجزيرة العربية في ضوء تحركات الروم وسياستهم، عاد إلى المدينة بجيشه العظيم. ولم تمر حوداث تبوك بدون فائدة، ولكن استخلص المسلمون منها دروسا مفيدة، أفادتهم كثيرا في مستقبلهم، وفتحت عيونهم أكثر وأكثر على مكامن الخطر الذي ينتظرهم في مسيرتهم المقدسة. وتيقنوا أن الروم على حدودهم الشمالية هم أخطر أعدائهم وأعداء دينهم. فلا بد من الاستعداد لمواجهة الموقف واحتمالاته. وصدقت توقعات المسلمين. حين أخذت علاقاتهم مع الروم- الذين أعلنوها حربا سافرة على الإسلام والمسلمين- تتطور على طريق المواجهة العسكرية، حتى وضع الخلفاء الراشدون حدّا لغرور الروم وصلفهم، وأنزلوا هذا الجالس على عرش بيزنطة من عليائه، وطردوه من الشام إلى غير رجعة. فغادرها وقلبه يقطر دما، ولسانه يقول:«سلاما عليك يا سوريا سلاما لا لقاء بعده ونعم البلد أنت للعدو» هذا عن العلاقات بين المسلمين والروم.
أيلام المسلمون أن حملوا السلاح دفاعا عن أنفسهم أمام عدوان الروم؟!.
فماذا عن العلاقات بين المسلمين والدولة الكبرى الآخرى في عالم يومئذ؛ وهي الإمبراطورية الفارسية؟ الواقع أن كسرى فارس كان أكثر غرورا وغطرسة من هرقل. فعندما وصلته رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم؛ استشاط غضبا ومزق الرسالة، بل أكثر من ذلك طلب أن يقبضوا له على النبي ليحاكمه- وقد سبقت الإشارة إلى تلك الحادثة- ولما علم النبي بذلك الموقف المغرور من كسرى دعا عليه قائلا:«مزق الله ملكه» وقد استجاب الله دعاء رسوله، فقد قامت ثورة ضد كسرى، والمدهش أن ابنه هو الذي ثار عليه وقتله، ولكن موقف الفرس لم يتغير تجاه الإسلام نتيجة موت كسرى أبرويز الثاني الذي كان موقفه بمثابة إعلان الحرب على الإسلام. وكما أخذ الروم موقف العداء من المسلمين، وحشدوا قواتهم على الحدود لتهديد المسلمين، وحرضوا القبائل العربية المنضوية تحت نفوذهم ضد المسلمين، فقد أخذ الفرس الموقف على الحدود الشرقية، وظهر ذلك واضحا في أثناء حروب الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. وكما تطورت العلاقات مع الروم، تطورت كذلك مع الفرس على