الحسن بن علي رضي الله عنهما، عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما إيثارا لمصلحة الأمة، وحقنا لدماء المسلمين، مصدقا بذلك نبوءة جده- عليه الصلاة والسلام- حيث قال عنه:«ابني هذا سيّد- يقصد الحسن- ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»«١» .
ولقد استفتح معاوية رضي الله عنه عهده بالإحسان إلى أهل المدينة بصفة عامة، وإلى الصحابة وأبنائهم بصفة خاصة، وأغدق عليهم من الأموال ما أتاح لهم التفرغ للعلم والتعليم، فزخر مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم بأعداد هائلة من الفقهاء والمحدّثين والمفسرين وأصحاب السير والمغازي، وكان عروة بن الزبير فارسا من فرسان هذه الحلقات وأبرز رجالها.
فتروي المصادر وكتب الطبقات أنه كان يجتمع كل ليلة، بطريقة تكاد تكون منتظمة في المسجد النبوي، بمجموعة من كبار التابعين ومن رجال الطبقة الأولى منهم، كانت تضم أخاه مصعب بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وعبد الملك ابن مروان، وعبد الرحمن بن مسور، وإبراهيم بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي، ولم تكن هذه الاجتماعات سوى حلقات علمية، يدور الحديث فيها عن العلوم الإسلامية من فقه وتفسير وحديث وسير ومغاز، وكما اشتهر عروة بن الزبير بأنه أحد فقهاء المدينة السبعة الكبار- كما هو الحال بالنسبة لأبان بن عثمان- فقد اشتهر بأنه من أكابر علماء السيرة والمغازي، وكان الناس- حتى زملاؤه في الدراسة- يتجهون إليه، ليسألوه ويتعلموا منه السيرة النبوية بصفة خاصة، لقربه من بيت النبي، ولمعرفته أكثر من غيره بما كان يدور في ذلك البيت الكريم عن طريق خالته السيدة عائشة رضي الله عنها فعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي المشهور (٦٥- ٨٦ هـ) مع أنه كان أحد تلاميذ مدرسة المدينة المشهورين ومن فقهائها، وقد لقب بحمامة المسجد؛ لشدة ملازمته مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وانكبابه على حلقات العلم، وهو من زملاء عروة وأصدقائه، إلا أنه كان كثير الرجوع إليه في كل ما يتعلق بأحداث السيرة النبوية، وذلك عندما شغلته السياسة عن طلب العلم بعد أن أصبح خليفة ويبدو أن عروة قد ألف كتبا كثيرة في