للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجند خير أجناد الأرض» فقال أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى اليوم القيامة» «١» .

فكلما ألمّ بالإسلام خطر داهم كانت مصر هي المنقذ، قد تكرر ذلك كثيرا، فمصر هي التي تصدّت للصليبيين، وضربتهم ضربتها القاضية في حطين، على أرض فلسطين، على أيدي البطل العظيم؛ صلاح الدين الأيوبي (سنة ٥٨٣ هـ/ ١١٨٧ م) «٢» ثم تابع حكام مصر بعده، سواء من أسرته أو من المماليك محاصرة الصليبيين ومطاردتهم، حتى طهّروا منهم أرض المشرق الإسلامي في نهاية المطاف.

ومصر هي التي تصدّت للهجمة المغولية المتوحشة، التي داهمت العالم الإسلامي من المشرق، واكتسحته اكتساحا، وأحدثت فيه من المجازر الوحشية ما لم يعرفه العالم قبل ذلك قط، وأعملت التخريب والتدمير في مدنه العامرة، بدا من سمرقند وبخارى إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وبعدها مدن الشام العامرة، ولم يستطع أحد أن يوقف هذا السيل الوحشي المدمر إلا جيش مصر، في عين جالوت، على أرض فلسطين أيضا بقيادة السلطان قطز والقائد الفذ الظاهر بيبرس (سنة ٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م) «٣» .

ومصر هي التي تصدّت وتتصدّى للهجمة الصهيونية المعاصرة، المدعومة بكل جبروت أمريكا وأوروبا العسكري والسياسي، ورغم ذلك فقد قطع جيش مصر البطل الذراع الصهيونية وقهر جيشها الذي قيل عنه: إنه لا يقهر. فمصر إذا بموقعها الاستراتيجي الفريد، ورصيدها الحضاري العظيم، وشعبها الحي المكافح والمتسامح في نفس الوقت، مصر بهذا كله لها دور ومكانة لا تستطيع أبدا أن تتخلى عن هذا الدور في الدفاع عن الإسلام؛ لأن هذا هو ما عناه الرسول صلّى الله عليه وسلم عند ما أوصى أصحابه أن يتخذوا فيها جندا كثيفا بعد الفتح، ليرابط فيها حارسا للإسلام ومدافعا عنه ضد كل من يحاول الاعتداء على مشرقه أو مغربه، وقول الرسول هذا عن مصر يدل على أنه كان واثقا كل الثقة من ذلك الفتح قبل وقوعه بسنوات؛ حتى المقوقس نفسه الذي كان يحكم مصر، والذي كتب إليه النبي صلّى الله عليه وسلم كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، مع أنه لم يسلم وضنّ بملكه، وهذا تعبيره هو نفسه، حيث قال لحاطب بن أبي بلتعة-


(١) السيوطي- حسن المحاضرة (١/ ١٤، ١٥) طبعة الحلبي، القاهرة.
(٢) د. سعيد عبد الفتاح عاشور- الحركة الصليبية (٢/ ٦٢٥) وما بعدها.
(٣) ابن كثير- البداية والنهاية (١٣/ ٢٢٠) وما بعدها.

<<  <   >  >>