أبي العاص، واستطاع أن يلم شمل الأمويين من جديد، فبايعوه بالخلافة، واستهل عهده بالإنتصار على أنصار عبد الله بن الزبير في معركة مرج راهط الشهيرة «١» ، واستطاع استعادة الشام، كان أول ما فكر فيه بعد ذلك هو ضم مصر إلى الشام، انطلاقا من فهم استراتيجي سليم، وهو أنه إذا نجح في ضم مصر إلى الشام فلن تستطيع قوة أن تقف في طريقه وهذا ما حدث بالضبط، فبعد أن نجح في استرداد مصر من عبد الله بن الزبير، كان ذلك مفتاح نجاح خليفته وابنه عبد الملك في دحر قوات عبد الله بن الزبير، بل دحر كل خصومه في العراق وبلاد فارس والحجاز، وإعادة توحيد الدولة الإسلامية (سنة ٧٣ هـ) . حتى وصفه المؤرخون بأنه المؤسس الثاني للدولة الأموية.
وهكذا أخذت هذه التجارب تؤكد أن التحام الشام ومصر في دولة واحدة يجعلها قوة كبيرة ذات تأثير خطير على مجريات الأمور في الشرق كله. فصلاح الدين الأيوبي نجح في الانتصار على الصليبيين في حطين وما بعدها؛ لأنه تمكن من توحيد مصر والشام تحت حكمه، وكان بدوره مدركا لأهمية ذلك، ولم يبدأ عمله ضد الصليبيين إلا بعد أن تمكن من ضم الشام إلى دولته، وعلى خطاه سار المماليك في مقاومة الصليبيين والمغول، وانتصروا عليهم، وطهروا أرض الإسلام منهم.
وأعداء الأمة العربية والإسلامية يدركون ذلك جيدا فعندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا في (٢٢ فبراير سنة ١٩٥٨ م) فيما عرف بالجمهورية العربية المتحدة؛ وعندئذ أدركت القوى الاستعمارية الغربية أن الخطر أصبح وشيكا على صنيعتهم إسرائيل التي زرعوها في بلادنا وخططوا لبقائها. وقالوا: إن إسرائيل أصبحت بين كسارة البندق؛ سوريا من الشمال ومصر من الجنوب. لذلك لم يهدأ لكل القوى المعادية للعروبة والإسلام بال إلا بعد أن تمكنوا بكل الوسائل من فصل سوريا عن مصر في (٢٨ سبتمبر سنة ١٩٦١ م) .
هذه هي عبر التاريخ ودروسه عن الارتباط الأمني الوثيق بين الشام ومصر.
فالبيزنطيون أنفسهم كانوا مدركين لأهمية الارتباط بين الشام ومصر، وهما تحت حكمهم، خاصة في الشؤون البحرية «فكان التقسيم الإداري للدولة البيزنطية قبل ظهور الإسلام يجمع بين الشام ومصر في العمليات البحرية، ويقضي بتعبئة أساطيلهما معا لإخضاع العناصر التي تشق عصا الطاعة على السلطات البيزنطية، في