الذي لقب بالشيخ الأمين، وقد استطاع حسان فتح معظم الشمال الإفريقي في غضون نحو عشر سنوات (٧٤- ٨٥ هـ/ ٦٩٣- ٧٠٤ م) وعمل على تنظيم البلاد ووضع الأسس الإدارية لها، وأسس مدينة جديدة، هي مدينة تونس، وأحس بحاجته إلى أسطول بحري مستقل يواجه به هجمات الأساطيل البيزنطية بدلا من الاعتماد على الأساطيل المصرية المرابطة في قاعدتي برقة والإسكندرية لطول المسافة ونحن نعرف أن برقة منذ فتحها عمرو بن العاص سنة (٢١ هـ/ ٦٤١ م) أصبحت هي القاعدة الحصينة التي تلجأ إليها القوات الإسلامية العاملة في شمال إفريقيا عند الضرورة، وكانت عندئذ تحت إدارة والي مصر، وظلت كذلك إلى قيام الدولة الفاطمية في تونس سنة (٢٩٦ هـ/ ٩٠٩ م) فيكون من الطبيعي أن تكون فيها قاعدة بحرية تعتمد اعتمادا كليّا على دور صناعة السفن في مصر؛ لأن كثيرا من الغزوات التي انطلقت لغزو جزر البحر الأبيض المتوسط كانت تنطلق منها.
ثم رأى حسان بن النعمان إنشاء قاعدة بحرية خاصة بشمال إفريقيا، فأنشأ قاعدة تونس البحرية بعد أن دمر مدينة قرطاجنة التي كانت عاصمة شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي، وطرد البيزنطيين نهائيّا من كل الشمال الإفريقي.
ولقد كان الرجل بعيد النظر، ويتمتع برؤية استراتيجية عظيمة، وإحساس بالمسؤولية كبير، فقد أيقن أن الاحتفاظ بالانتصارات التي حققها على البيزنطيين والبربر معا، في المغربين الأدنى والأوسط- تونس والجزائر الحاليتان- يتطلب إنشاء قاعدة بحرية حصينة، ودار صناعة لصناعة السفن ومستلزماتها، وأن الآوان قد حان ليعتمد شمال إفريقيا على قواعده وأساطيله الخاصة في الدفاع عن نفسه لطول خطوط مواصلاته مع القواعد التي كان يعتمد عليها في الإسكندرية وبرقة.
ولعل حسان بن النعمان، وهو قائد ذو بصيرة عسكرية ورؤية سياسية واضحة، كان يستشرف المستقبل، ويرى بعين المؤمن وحدسه ما تم على يد خليفته في قيادة الفتوحات في المغرب؛ القائد العظيم موسى بن نصير، وقائده الفذ العبقري طارق ابن زياد، ومن جاء بعدهما، من فتح الأندلس، والجزائر الغربية في البحر الأبيض المتوسط. وأن ذلك كله لن يتم إلا إذا كان للمسلمين قوة بحرية فعالة في غرب البحر الأبيض المتوسط. عند ما فكر حسان بن النعمان في إقامة صرح عسكري بحري إسلامي للجناح الغربي من الدولة الإسلامية، كان يعلم أنه بدون الخبرات