عرفنا فيما سبق من صفحات هذا البحث أن بلاد ما وراء النهر قد فتحت في نهاية القرن الهجري الأول، في خلافه الوليد بن عبد الملك (٨٦- ٩٦ هـ) وأن ما تبقى من عهد الدولة الأموية بعد ذلك- سقطت سنة (١٣٢ هـ) - كان جهودا متواصلة لتثبيت الفتوحات وتأمين بلاد ما وراء النهر من غارات الأتراك الشرقيين.
وعلى الرغم من أن أقاليم ما وراء النهر فتحت متأخرة، بل كانت من آخر الفتوحات الإسلامية في العصر الأموي، وعلى الرغم من مقاومة أهلها مقاومة عنيفة، إلا أن أهل تلك البلاد سرعان ما بدؤوا يفكرون في الإسلام؛ دين الفاتحين، وسرعان ما أدركوا أنه دعوة خالصة لتوحيد الله سبحانه وتعالى، وأنه دين سمح عادل رحيم، من مبادئه الأصيلة المساواة بين الناس جميعا، وأنه دين العزة والكرامة ومن الطبيعي أن يكونوا قد قارنوا- ولو داخل نفوسهم- بين الإسلام وبين الأديان الوثنية التي كانت تنتشر بينهم، فجاءت المقارنة في صالح الإسلام، خاصة عند ما رأوا الفاتحين يحطمون الأصنام بأيديهم ويحتقرونها.
عندئذ زالت عنهم الغشاوة التي كانت تغطي عقولهم، وأدركوا أن تلك الأصنام لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر، وأنه من السخف عبادتها، فأمام أعينهم أحرق قتيبة بن مسلم الأصنام في سمرقند ولم يصبه أي أذى مما كانوا يخوفونه منه، كان لتلك الحادثة أثر كبير في إقبال الناس على الإسلام «١» ، فإن قتيبة عند ما سار بعدها لفتح إقليم الشاش خلف نهر سيحون كان جيشه يضم عشرين ألفا من أهل بخارى وكش ونسف وهؤلاء كانوا قد قاوموا المسلمين في البداية مقاومة عنيفة ولكنهم سرعان ما حدث التحول الخطير في حياتهم حيث هداهم الله إلى الإسلام فأصبحوا من جنده المخلصين المدافعين عنه بحماس.
ومرة أخرى نستشهد بكلام المؤرخ المجري فامبري حيث يقول: «ولقد غزا المسلمون بخارى ثلاث مرات من قبل ونشروا دينهم بها ولكن أهلها كانوا يرتدون إلى عقيدتهم القديمة عقب رحيل الغزاة عنهم في كل مرة وها هي تفتح أبوابها للمرة الرابعة لتستقبل الفاتحين ومعهم تعاليم نبيهم، تلك التعاليم التي قوبلت أول الأمر بمعارضة شديدة، ثم أقبل القوم من بعد ذلك عليها في غيرة شديدة، حتى لترى