للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النهر، وبدلا من إرسال الجيوش والجنود إلى البلاد المفتوحة أخذ يرسل الدعاة ينشرون الإسلام ويعلمون الناس أصوله وقواعده وأرسل إلى الملوك والأمراء رسائل يدعوهم فيها إلى الإسلام وقد استجاب كثيرون منهم «١» .

والحق أن عهد عمر بن عبد العزيز القصير (٩٩- ١٠١ هـ) قد شهد- لعدله وسمعته الطيبة- إقبالا على الإسلام في كل البلاد المفتوحة، ومنها بلاد ما وراء النهر ولقد سبق أن ذكرنا موقفه من أهل سمرقند الذين شكوا إليه غدر قتيبة وكيف أنصفهم؛ مما كان له أكبر الأثر عليهم وزاد من إقبالهم على الإسلام.

ولقد استمرت السياسة الأموية بعد عمر بن عبد العزيز، في الدعوة إلى الإسلام في بلاد ما وراء النهر، فقد عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (١٠٥- ١٢٥ هـ) بولاية خراسان إلى أشرس بن عبد الله السلمي، الذي سماه الناس: الكامل؛ لفضله وصلاحه «٢» .

ويقول عنه الطبري: فلما استقر في خراسان عزم على توجيه الدعاة إلى ما وراء النهر يدعون الناس إلى الإسلام، فقال لخاصته: أبغوني رجلا له ورع وفضل أوجهه إلى من وراء النهر فيدعوهم إلى الإسلام، فأشاروا عليه بأبي الصيداء، صالح بن طريف «٣» .

فاستدعاه وعرض عليه القيام بتلك المهمة، ولكن أبا الصيداء اشترط على الوالي ألا تؤخذ الجزية ممن يسلم فقبل الوالي هذا الشرط، فقال أبو الصيداء لأصحابه:

«فإني أخرج فإن لم يف العمال أعنتموني عليهم، قالوا: نعم» «٤» .

يفهم من كلام الرجل الصالح أبي الصيداء، وتشدده، واشتراطه على الوالي بصراحة رفع الجزية عمن يسلمون، يفهم من هذا أن الولاة الأمويين بعد عمر بن عبد العزيز قد عادوا إلى سياستهم الخاطئة والضارة معا، وهي أخذ الجزية ممن كانوا يسلمون.

على كل حال ذهب أبو الصيداء إلى بلاد ما وراء النهر، وأخذ يدعو أهل سمرقند وما حولها إلى الإسلام- وكان شرطه الذي اشترطه على الوالي، وهو رفع الجزية عمن يسلمون قد ذاع أمره- فسارع الناس إلى الإسلام «٥» ، وأثمرات دعوته لدرجة اصطدامها مرة أخرى بمشكلة الجزية، فقد هال العمال كثرة إقبال الناس على


(١) انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (٥/ ٥٤) .
(٢) انظر زين الأخبار، لأبي سعيد الكرديزي- مصدر سابق (١/ ١٨٥) .
(٣) الطبري (٧/ ٥٢) .
(٤) المصدر السابق (٧/ ٥٤) .
(٥) الطبري (٧/ ٥٥) .

<<  <   >  >>