للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما يدل على اهتمام الدولة البيزنطية بأمر تلك المعاهدة أنها اختارت لرياسة الوفد الذي أرسلته إلى عاصمة الخلافة الأموية- دمشق- للتفاوض بشأنها رجلا من أشهر الدبلوماسيين في البلاط البيزنطي، ويدعى يوحنا، الذي كان شخصية مرموقة حظيت بالاحترام والتقدير في البلاط الأموي، فقد حضر إلى دمشق ولقي الخليفة معاوية، وفاوضه في عدة جلسات، وحضرها كبار أبناء البيت الأموي، وكبار رجال الدولة، وقد أبدى رئيس الوفد البيزنطي من حسن التخاطب واللباقة واللياقة والإجلال للخلافة الأموية- ما أكسبه احترام الخليفة معاوية نفسه، وجعله ينجح في عقد المعاهدة المنوه عنها آنفا «١» .

ومما يدل على جو العلاقات بين الدولتين في ذلك الوقت وما كان يسوده من ميل إلى السلام أنهما حكمتا جزيرة قبرص حكما مشتركا، يقول ابن حوقل: «كانت قبرص بينهم نصف للمسلمين، ونصف للنصرانية، وكان للمسلمين فيها أمير وحاكم» «٢» .

وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (٦٥- ٨٩ هـ/ ٦٨٥- ٧٠٥ م) نقض الروم معاهدتهم مع معاوية، فجددها عبد الملك «٣» مما يدل على الرغبة في استمرار حالة السلام بين الدولتين.

ولقد بلغت العلاقات الإسلامية البيزنطية أفضل حالاتها في العصر الأموي، في خلافة عمر بن عبد العزيز (٩٩- ١٠١ هـ/ ٧٠٧- ٧٢٠ م) ، ومعاصره الإمبراطور ليون الإيسوري (٧١٧- ٧٤١ م) .

فالخليفة عمر كان رجلا صالحا يكره الحرب والعنف بطبعه، فأوقف الحروب على الحدود الإسلامية البيزنطية، بل أمر برفع الحصار الذي كان يفرضه الجيش الإسلامي على القسطنطينية- عاصمة الدولة البيزنطية- وأمر بعودة ذلك الجيش إلى الشام، واهتم بأمر الأسرى المسلمين الذين كانوا في أيدي البيزنطيين، فأرسل إلى القسطنطينية وفدا من أجل التفاوض لافتدائهم، وعودتهم إلى بلادهم.

ولقد كان الاحترام والإعجاب متبادلين بين الخليفة والإمبراطور على المستوى الشخصي، فقد روى مؤلف سيرة عمر بن عبد العزيز «٤» ، أنه عند ما مرض الخليفة


(١) د. السيد الباز العريني- الدولة البيزنطية (ص ١٣٣) . ودار النهضة العربية القاهرة سنة (١٩٦٠ م) .
(٢) المسالك والممالك (ص ١٦٠) .
(٣) البلاذري- فتوح البلدان (ص ٦٤) .
(٤) ابن عبد الحكم- سيرة عمر بن عبد العزيز (ص ١١٨) .

<<  <   >  >>