للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمعلومات والأدلة على أن أباطرة بيزنطة كانوا يضعون الوفود الإسلامية ومبعوثي الخلفاء في مرتبة أعلى من جميع الوفود الأجنبية التي كانت تأتي لمقابلتهم «١» .

وهناك أنموذج آخر من نماذج حسن العلاقات بين الدولتين، وجنوح العاهلين الكبيرين إلى السلام، ونختم به هذا البحث، وذلك هو ما حدث بين الخليفة المأمون ابن الرشيد وبين الإمبراطور تيوفيلوس، فقد بدأت صفحة علاقاتهما عدائية، كما هو الحال بالنسبة للرشيد ونقفور، ولكن سرعان ما جنحا إلى السلام، وحسن الجوار، وقد سبق أن ذكرنا بعض الرسائل التي تبادلاها لتحقيق تلك الأهداف والآن نشير إلى وفد حضر من قبل الإمبراطور إلى بغداد محملا بالهدايا إلى الخليفة المأمون.

لقد كان الوفد رفيع المستوى، رأسه أحد رجال البلاط البيزنطيين البارزين ويدعى يوحنا، ومما يلفت النظر أنه قيل: إن من بين أسباب حضور ذلك الوفد إلى بغداد إعلام الخليفة المأمون بارتقاء تيوفيلوس عرش الإمبراطورية «٢» ، وهذا في حد ذاته دليل واضح على الميل إلى توطيد العلاقات بين أكبر حاكمين في العالم في زمانهما.

وقيل: إن من بين أهداف الوفد أنه كان مكلفا من الإمبراطور شخصيّا بالاطلاع على المنشات والقصور التي بناها العباسيون في بغداد، ورسم نماذج لها لبناء مثلها في القسطنطينية؛ لأن الإمبراطور نفسه كان معجبا بالحضارة الإسلامية بصفة عامة والفنون المعمارية الإسلامية بصفة خاصة، وقد قام المبعوث الإمبراطوري بهذه المهمة، يقول أكبر مؤرخي الإمبراطورية الرومانية جيبون: «وقد سمح اقتصاد الإمبراطور تيوفيلوس بحال أكثر حرية وسعة في الترف والبهاء الداخلي، وقدم سفير مقرّب، كان قد أدهش العباسيين بكبريائه وكرمه وقدم بعد عودته أنموذجا لقصر كان خليفة بغداد قد شيده حديثا على شواطئ نهر دجلة، فحوكي الأنموذج في التوّ، وزيد عليه» «٣» .

وهذا برهان على تأثير الحضارة الإسلامية في الحضارة البيزنطية في فنون العمارة بعد أن كان المسلمون هم الذين يأخذون نماذج من الفنون المعمارية البيزنطية ويتأثرون بها، ولا ضير من ذلك على أي من الحضارتين، فالأخذ والإعطاء، والتأثير والتأثر


(١) فازيليف- العرب والروم (ص ١٩) - مرجع سابق.
(٢) د. محمد فتحي عثمان- الحدود الإسلامية البيزنطية (٢/ ٣٩٨) مرجع سابق، وفازيليف- العرب والروم، مرجع سابق هامش (ص ٩٣) .
(٣) جيبون- اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها (٣/ ١١١) .

<<  <   >  >>