يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي عن السند قبل أن يدخلها الإسلام «١» : «كانت هذه البقعة من الأرض وما جاورها من البلدان تعيش في عزلة عن العالم يحكمها ولاة يعتبرون أنفسهم آلهة على الأرض، والناس كانوا يكفرون بين أيديهم ويقدسونهم كتقديس العبد لربه، وكانت الأرض وخيراتها ملكا لهم، والناس عبيد عندهم يفعلون ما شاؤوا ويحكمون بما أرادوا، الرقاب تحت سيوفهم، والأعراض رهينة شهواتهم، الضعيف المكافح كان أذل من الحيوان، ولم يكن الشرف إلا بالوراثة، أما من ناحية العقيدة فلم تكن هناك ديانة واحدة، بل ديانات متفرقة، ليس فيما بينها رابط جامع، وكل ما في الأمر أنهم كانوا يعتزون بطقوس وتقاليد ورثوها من آبائهم، وتمسكوا بها جهلا وغرورا. إن دخول الإسلام بلاد السند وبلاد الهند كان فاتحة عصر جديد، عصر علم ونور، وحضارة وثقافة ... » ثم يقول:
«لم يكن العرب المسلمون من طراز أولئك الغزاة، الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها، واعتبروها بقرة حلوبا، أو ناقة ركوبا، يحلبون ضرعها، ويركبون ظهرها ويجزون صوفها، ثم يتركونها هزيلة عجفاء. ولا يعتبرون أنفسهم إلا كالإسفنج يتشرب الثروة من مكان ويصبها في مكان آخر، كما كان شأن الإنجليز في الهند، وفرنسا في الجزائر والمغرب الأقصى، وإيطاليا في طرابلس وبرقة، وهولندا في أندونيسيا. بل وهب العرب البلاد التي فتحوها أفضل ما عندهم، من عقيدة ورسالة وأخلاق وسجايا، ومقدرة وكفاية، وتنظيم وإدارة، أقبلوا عليها بالعقل النابغ والشعور الرقيق، والذوق الرفيع، والقلب الولوع، واليد الحاذقة الصنّاع، فنقلوها من طور البداوة إلى طور الحضارة، ومن عهد الطفولة إلى عهد الشباب الغض؛ فأمنت بعد خوف، واستقرت بعد اضطراب، وأخذت الأرض زخرفها، وبلغت المدنية أوجها، وتحولت الصحاري الموحشة والأرض القاحلة إلى مدن زاخرة وأرض خصبة، وتحولت الغابات إلى حدائق ذات بهجة، والأشجار البرية إلى أشجار مثمرة مدنية، ونشأت علوم لا علم بها للأولين، وفنون وأساليب في الحضارة لا عهد لهم بها في الماضي، وانتشرت التجارة وازدهرت الزراعة، فكأنما ولدت هذه البلاد في العهد الإسلامي ميلادا جديدا ولبست ثوبا قشيبا..» ا. هـ.
هذه شهادة واحد من أبناء الطرف الشرقي للدولة الإسلامية، وإليك شهادة
(١) من تقديمه لكتاب الدكتور عبد الله الطرازي- موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية لبلاد السند والبنجاب- عالم المعرفة، جدة (١٤٠٣ هـ) (١/ ٦، ٧) .