للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: الأمر الثاني الذي يكاد يجمع عليه مؤرخو الفتح الإسلامي للأندلس وهو ذو علاقة بالأمر الأول، سرعة الفتح وسهولته، فبينما أخذ فتح شمال إفريقيا نحو سبعين عاما من العرب لم يستغرق فتح الأندلس بكاملها تقريبا سوى ثلاث سنوات (٩٢- ٩٥ هـ/ ٧١١- ٧١٤ م) وهذه عجيبة من عجائب التاريخ، ولم ينافس الأندلس في سرعة وسهولة فتحها سوى الفتح الإسلامي لمصر، فقد استغرق هو أيضا نحو ثلاث سنوات (١٨- ٢١ هـ/ ٦٣٩- ٦٤٢ م) والسبب في ذلك تشابه الظروف في كل من مصر والأندلس؛ فكما كانت الأندلس تعاني من مفاسد ومظالم الحكم القوطي، كذلك كانت مصر تعاني من مفاسد ومظالم الحكم البيزنطي؛ الأمر الذي سهل مهمة المسلمين في فتح مصر.

ثالثا: الأمر الثالث الذي يكاد يجمع عليه مؤرخو الفتح الإسلامي للأندلس أن الفاتحين كانوا رحماء مع أهل الأندلس وعاملوهم بكل احترام وتسامح، وطبقوا معهم نفس السياسة التي اتبعوها مع كل البلاد التي فتحوها، فقد تركوا لهم أموالهم وكنائسهم وقوانينهم، وحق المقاضاة إلى قضاة منهم، ولم يفرضوا سوى جزية ضئيلة فرضي بذلك سكان أسبانيا طائعين وخضعوا للعرب دون مقاومة، ولم يبق على العرب إلا أن يقاتلوا الطبقة الأرستقراطية المالكة للأرضين «١» .

ولا بأس أن نؤكد هذا بما ذكره السيرتوماس أرنولد حيث يقول «٢» : «وإن سياسة التسامح الديني الذي سارت عليه الحكومة الإسلامية نحو رعاياها المسيحيين في أسبانيا، وحرية الاختلاط بين المتدينين قد أدت إلى شيء من التجانس والتماثل بين الجماعتين وقد كثر التصاهر بينهم، حتى أن أيذيدور الباجي قد دوّن مسألة زواج عبد العزيز بن موسى بن نصير من أرملة روذريق Rodrigo دون أن يذكر كلمة واحدة يستنكر فيها هذا الفعل، هذا إلى أن كثيرين من المسيحيين قد تسموا بأسماء عربية، وقلدوا جيرانهم المسلمين في إقامة بعض النظم الدينية، فاختتن كثير منهم، وساروا وفق المسلمين في أمور الطعام والشراب، وأن إطلاق لفظ مستعربين على الأسبان المسيحيين الذين عاشوا في ظل العرب ليدل دلالة ظاهرة على مدى الميول والاتجاهات التي كانت تعمل بنشاط وهمة في هذا السبيل، فسرعان ما أخذت دراسة اللغة العربية تحل محل اللاتينية في جميع أرجاء البلاد» ا. هـ.


(١) جوستاف لوبون- حضارة العرب (ص ٢٦٦، ٢٦٧) .
(٢) الدعوة إلى الإسلام (ص ١٥٩، ١٦٠) .

<<  <   >  >>