للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإعدام مما جعل الأستاذ لين بول يطلق عليهم- المنتحرين- والعجيب أن هذه الحركة بدأت في عهد الأمير عبد الرحمن الأوسط (٢٠٦- ٢٣٨ هـ/ ٨٢٢- ٨٥٣ م) وهو ليس من الأمراء القساة بل كان يتحلى بالتسامح وحب العلم والثقافة.

على كل حال هذه الحركة أدانها النصارى أنفسهم في حينها «١» . وكذلك أدانها النصارى المعاصرون ولقد علق الأستاذ أميلو جارثيا جومث في مقدمته لكتاب الأستاذ ليفي بروفنسال بقوله «٢» : «وتتلخص أحداث تلك الأزمة في الحكم- خلال الفترة من (٢٣٦- ٢٤٥ هـ/ ٨٥٠- ٨٥٩ م) بمدينة قرطبة- على أربعين مستعربا بالإعدام؛ عقابا لهم على سبّ رسول الإسلام علانية. ألهذا يمكن الحديث عن الاضطهاد؟ كلّا ألف كلّا؛ لأن الدولة الإسلامية- وخاصة أثناء حكم الأمويين- كانت- على خلاف ما يعتقد غير العارفين- في منتهى التسامح مع المسيحيين واليهود، ولقد دان المستعربون للفاتحين نتيجة لهذا التعايش الإيجابي، وهذا ما أثار حفيظة المشتغلين منهم بالسياسة، فعلاوة على إبراز الوثائق التاريخية الكثيرة التي خلفها المستعربون لهذا التسامح- يعترف (سان ألوخيو) نفسه بأنه لا يشعر بين المسلمين بالدونية أو بالمضايقة، كما يشير آخر وهو (خوان دي جورز) إلى أن المسيحي يمارس شعائره بحرية تامة.. فلم يكن المسيحيون يرتدون ملابس خاصة ولا يحملون شارة معينة تميزهم، وكانوا في كثير من الأحيان يرتقون إلى أعلى المناصب المدنية والعسكرية، وكان القساوسة يغشون الأماكن العامة بزيهم التقليدي، كما كان من الممكن في بعض الأحيان تشييد كنائس جديدة» .

واعتمادا على ما سبق ذكره نقول: إنه لو وجدت حينذاك محاولة سلمية (الدعوة إلى الإسلام) تهدف إلى تالف النسيج الاجتماعي فليس من حقنا أن ندينها؛ لأن لكل تسامح حدوده ومن غير المعقول أن نطلب من المسلمين التساهل إلى الحد الذي يغضون فيه الطرف عن إهانة وسب الميسحيين لرسولهم علانية، في نفس الوقت الذي لا يسمح فيه لأحد بالتعريض بالعقيدة المسيحية ا. هـ.


(١) المرجع السابق (ص ٢٤٣) وانظر كذلك ليفي بروفنسال. الحضارة العربية في أسبانيا ترجمة د. الطاهر أحمد مكي، طبع دار المعارف، القاهرة، (١٩٩٤ م) ، (ص ١٠٠) .
(٢) تاريخ أسبانيا الإسلامية (ص ١٥) وانظر في المسألة نفسها: ليفي بروفنسال- الحضارة العربية في أسبانيا (ص ١٠٠) .

<<  <   >  >>