للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبد الرحمن الناصر نفسه خليفة صار يدعى بأمير المؤمنين.

في المرحلة الأولى كان الحكام من بني أمية يلقبون بالأمراء، وأحيانا كانوا يطلقون عليهم لقب أولاد الخلائف، وكانوا هم راضين بهذا الوضع تاركين لقب الخلافة وإمرة المؤمنين لبني العباس في بغداد، على الرغم من أن دولتهم في عصر الإمارة قد بلغت من القوة والثراء والحضارة مبلغا عظيما، وكان بلاطهم في عاصمتهم قرطبة لا يقل بهاء ورواء عن بلاط بغداد. ولكن منذ مطلع القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، رأى عبد الرحمن الثالث أن الأوضاع السياسية في العالم الإسلامي قد طرأ عليها تطور جديد وخطير في الوقت نفسه، فبعد أن كان في العالم الإسلامي خلافة واحدة هي الخلافة العباسية، ينظر إليها جميع المسلمين نظرة التقدير والاحترام، حتى الدويلات التي استقلت عنها في المشرق والمغرب كانت تعترف لها بالسيادة الاسمية وتخطب على منابرها باسم خلفائها.

وفجأة ظهرت خلافة أخرى في شمال إفريقيا، هي الخلافة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية سنة (٢٩٦ هـ/ ٩٠٩ م) في مواجهة الدولة الأموية في الأندلس عندئذ أقدم عبد الرحمن الثالث على ذلك القرار الخطير، فحول الإمارة إلى خلافة، وأعلن نفسه خليفة وتلقب بأمير المؤمنين منذ نهاية سنة (٣١٦ هـ/ ٩٢٩ م) .

وفي عهده وعهد ابنه وخليفته الحكم المستنصر بلغت الدولة الأموية في الأندلس ذروة قوتها وعظمتها وحضارتها وهيبتها ونفوذها السياسي والأدبي.

وبوفاة الحكم المستنصر سنة (٣٦٦ هـ/ ٩٧٦ م) يمكن القول: إن الدولة الأموية قد انتهت فعلا في الأندلس؛ لأن ابن الحكم المستنصر هشام المؤيد الذي آلت إليه خلافة أبيه كان طفلا- فاستبد بالأمر المنصور بن أبي عامر، وأصبح الحاكم المطلق هو وأولاده من بعده لمدة ثلث قرن، وقد أطلق المؤرخون على الأندلس في تلك الفترة وصف الدولة العامرية نسبة إليهم «١» .

وبعد مصرع عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر- الملقب بشنجول سنة (٣٩٩ هـ/ ١٠٠٩ م) استطاع أحد أبناء البيت الأموي وهو محمد بن هشام أن يعتلي سدة الخلافة ولقب نفسه- أو لقبه الناس- بالمهدي، منتزعا حق الخليفة الشرعي هشام المؤيد بن الحكم المستنصر، وقد أمل الناس أن يكون في ذلك إقالة للخلافة من عثراتها، لكن الواقع أثبت أن


(١) راجع محمد عبد الله عنان- دولة الإسلام في الأندلس، مرجع سابق (٢/ ٦٨٣) .

<<  <   >  >>