للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قضى القاضي طبقا للحق والعدل لا طبقا لرغبة الأمير، ولم يتعرض لأي أذى «١» .

ولقد اختلف القضاء الأندلسي في تنظيمه عن القضاء في المشرق الإسلامي، ففي الشرق استحدث العباسيون في عهد هارون الرشيد (١٧٠- ١٩٣ هـ/ ٧٨٦- ٨٠٨ م) منصب قاضي القضاة، الذي أصبح له حق اختيار قضاة الولايات والإشراف عليهم.

أما الأندلس فلم تعرف هذا المنصب بهذا المعنى، وإنما عرفت ما سمي بقاضي الجماعة أو قاضي الحضرة، والمقصود به قاضي العاصمة قرطبة وحدها، ولم يكن له حق تعيين القضاة في الأقاليم الآخرى أو الإشراف عليهم، وكان هؤلاء يعينهم الأمير أو الخليفة، وهم مستقلون في عملهم تماما مثل قاضي الجماعة، ومن الخطط التي اهتم بها الأمويون خطة الحسبة لمراقبة الأسواق والمرافق العامة، كما اهتموا بالشرطة لضبط الأمن في بلد متعدد الأعراق والأهواء.

ولقد استحدث الأمويون خطة سموها خطة الشورى وكانوا يسندونها إلى كبار العلماء من ذوي الشرف والهيبة «٢» .

وهكذا أصبح للنظام السياسي والإدارة في الأندلس طابع مميز، في الوقت الذي لم يتوقف فيه عن التأثر بما يحدث في المشرق، فقد أدخل الأمير عبد الرحمن الأوسط (٢٠٦- ٢٣٨ هـ/ ٨٢٢- ٨٥٢ م) كثيرا من نظم العباسيين وطقوسهم وبصفة خاصة في قصر الحكم «٣» وأبهة البلاط.

وباختصار يمكن القول: إن الأندلس في العصر الأموي قد تمتعت في أغلب الأوقات بإدارة حسنة وشرطة فعالة ونظام قضائي محكم.

ويجدر بنا ونحن بصدد الحديث عن السياسة والإدارة الأموية في الأندلس أن ننوه بسياسة التسامح التي اتبعوها مع أهل الذمة من النصارى واليهود فقد كفلوا لهم الحرية الدينية والاجتماعية، وأنشؤوا منصبا خاصّا لإدارة شؤون أهل الذمة عرف صاحبه بالقومس، كما كان للنصارى المعاهدين قاض خاص، كما عين لهم مطران خاص، كان مركزه مدينة إشبيلية، وقد استمر هذا التسامح مع النصارى المعاهدين على الرغم مما كانوا يدبرونه في بعض الأحيان ضد الحكومة المسلمة من الدسائس


(١) انظر الخشني- قضاة قرطبة، مصدر سابق (ص ٢٣، ٢٤) .
(٢) راجع محمد عبد الله عنان- دولة الإسلام في الأندلس، مرجع سابق (٢/ ٦٨٥) .
(٣) راجع ليفي بروفنسال- الحضارة العربية في أسبانيا، (ص ٦١، ٦٢) .

<<  <   >  >>