للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رودس إلى صقلية إلى جنوب إيطاليا، بل إن بعض الغزاة المسلمين حاصر روما ذاتها، العاصمة العتيدة للإمبراطورية الرومانية الكبرى، ومقر البابوية وكنيسة القديس بطرس، أم الكنائس في العالم المسيحي، وكما حاول المسلمون فتح روما، فقد حاولوا فتح القسطنطينية العاصمة الثانية للمسيحية.

ومحاولة المسلمين فتح روما والقسطنطينية معا معناه السيطرة الإسلامية على مواطن السيادة النصرانية في عاصمتيها الشرقية والغربية.

وإذا كانت العاصمتان العتيدتان قد نجتا من الفتح لفترة من الزمن، فقد كانت خسارة الدولة الرومانية الشرقية أمام المسلمين خسارة فادحة؛ إذ سقطت في أيديهم البلاد التي كانت مهدا للمسيحية، ويسطو سلطانهم على كل الأقطار التي تضم أشهر وأكبر الكنائس في الشرق، مثل كنيسة بيت المقدس، وكنيسة أنطاكيا، وكنيسة الإسكندرية، وكنيسة قرطاجنة، ومن هنا بدأ الحقد النصراني على الإسلام والمسلمين، ولم ينته بعد، وأغلب الظن أنه لن ينقضي إلى نهاية الدنيا، مهما أجرينا معهم من حوارت، وعقدنا معهم من ندوات ومؤتمرات، ومهما جرى الحديث في تلك المؤاتمرت والندوات ناعما، وبدا متسامحا، فإنه لا فائدة ترجى ما دامت القلوب تنطوي على الحقد من جانبهم، بل الاحتقار والازدراء لنا ولعقيدتنا، ونظرتهم دائما نظرة استعلاء وغطرسة.

ولقد غذى الاستشراق منذ نشأته- ولا يزال- هذا الحقد في نفوس الأوربيين، ولحق بهم الأمريكان، وجعل جذوته متقدة في النفوس، وليس هناك أمل في أن يزول ذلك الحقد من نفوسهم على الإسلام والمسلمين؛ لأنه متأصل ومبثوث في مناهج التربية والتعليم عندهم، فهم ينشؤون الأطفال على كره الإسلام والمسلمين، وهؤلاء الأطفال الذين ينشؤون على ذلك هم الذين يصبحون حكاما وساسة، ويبدهم القرار السياسي، والصورة أمامنا الآن، وكل شيء يجري أمام عيوننا ونسمعه باذاننا، ولا نلاقي منهم إلا الإذلال والإهانة في كل مكان؛ لأنهم يملكون كل وسائل السيطرة والقوة والهيمنة.

وإن الحروب الصليبية التى شنّها الغرب المسيحي ضد العالم الإسلامي، وجنّد لها كل قواه، هذه الحروب كانت تنفيسا عن الحقد الدفين الذي غذاه الاستشراق، الذي كانت نشأته الأولى في الكنائس والأديرة «١» ، ولا شك أن رجال الكنائس


(١) نجيب العقيقي- المستشرقون (٣/ ٢٤٩) ، دار المعارف- القاهرة.

<<  <   >  >>