فعل نقيضه، وكاد يفقد زوجاته لشكايتهن من شظف العيش في داره ... والسيدة زينب بنت جحش- ابنة عمته- زوجها من مولاه ومتبناه زيد بن حارثة، فنفرت منه، وعز على زيد أن يروضها على طاعته، فأذن له النبي في طلاقها، فتزوجها عليه السّلام؛ لأنه المسؤول عن زواجها، وما كان جمالها خفيّا عليه قبل تزويجها من مولاه؛ لأنها كانت بنت عمته، يراها من طفولتها، ولم تفاجئه بروعة لم يعهدها» .
نعود إلى يوحنا الدمشقي، الذي يمثل بواكير الاستشراق الكنسي الحاقد على الإسلام ورسوله ورسالته وحضارته، والذي نشأ في الشام، في كنف الدولة الأموية، ومع ذلك نجح في بث سموم أفكاره، حتى عرفت طريقها لكتب تفسير القرآن الكريم.
ويعاصر يوحنا الدمشقي ويماثله في الحقد على الإسلام، رجل لاهوت مسيحي آخر عاش في مصر، وهو حنا النقيوسي وقد يقول قائل: إن هذين الرجلين وأمثالهما لا يعدون مستشرقين؛ لأنهم أصلا من الشرق والمستشرق في عرف الناس هو رجل غربي يهتم بالدراسات الشرقية، وهذا القول ليس صحيحا؛ لأن الشرق والاستشراق في رأينا مفهوم حضاري أكثر منه مفهوم جغرافي، وقد قلنا: إن الأندلس تعتبر شرقية حضاريّا، وإن كانت غربية جغرافيّا. وبهذا المفهوم فإننا نعد كل من يهاجم الإسلام ويطعن في أسس عقائده، ويغمز ويلمز، فهو مستشرق مهما كان موطنه.
وليوحنا الدمشقي، وحنا النقيوسي اللذين عاشا في أواخر القرن الأول وبداية الثاني الهجري امتداد حتى الوقت الحاضر، فرجال مثل عزيز عطية سوريال، وهو مصري مسيحي كان أستاذا بجامعة الإسكندرية، ثم ذهب ليدرس في إحدى الجامعات الأمريكية، وهو شديد الحقد على الإسلام في كتاباته، ومثل بطرس عبد الملك، وهو الآخر مصري مسيحي، كان أستاذا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم هاجر إلى أمريكا، واشتغل بالتدريس في جامعة برنستون، ومثل فيليب حتى وهو لبناني مسيحي، هاجر إلى أمريكا، وأخذ الجنسية الأمريكية، وعمل بالتدريس في قسم الدراسات الشرقية في جامعة برنستون، وله العديد من المؤلفات عن تاريخ العرب والإسلام، وغير هؤلاء كثيرون، وكلهم رغم انضمامهم جغرافيّا إلى الشرق، فإنهم- بمناصبتهم الإسلام العداء- يعدون في نظرنا مستشرقين «١» وامتدادا ليوحنا الدمشقي، وحنا النقيوسي، وهم يشبهون حركة الشعوبية التي
(١) دكتور علي محمد عبد الوهاب- بين الإسلام والغرب ... ضراوة ومرارة حصاد (ص ٢٢٠، ٢٢١) ، دار ركابي- القاهرة (١٩٩٦ م) .