التباس النفس بالمزاج الموافق، وكان النور المقتبس من هذه القوة أسطع وأعلى، فعلى هذه تتبع قوة المنجم لآثار الكواكب تتبعاً ضعيفاً، لأن الآلة لا تساعده والصبر لا يوافيه، وذلك أنه يتلقى هذه الأمور المنتشرة من تلقاء نفسه ومن ناحية اختياره وقصده وبحثه وليست قوى الكاهن كذلك، أعني ليست تتبع بل هي كالإلقاء والوحي والسانح والطارئ فإن اجتمعت القوتان، أعني قوة التتبع بالصناعة وقوة الاقتباس بالكهانة، ظهر له كل أمر عجيب، وسمع كل قول غريب.
ثم قال: وعلى ما تبين فإن الكهانة أقوى إذا كان صاحبها لا يشوبها بشيء من الحس، وألقاها على صفائها ونقائها، لأن قوتها تنسكب من المحل الأعلى بنسبتها بالعلة الأولى تامة قوية وصحيحة واضحة.
قلت له: فهل يخطئ الكاهن كما يخطئ المنجم؟ فقال: نعم، وليس الخطأ محالاً منه، لأن قوته لا تبلغ الغاية في الخلاص أبداً بسبب تركيبه الذي هو سبب استحالة ما يحاوره بنفسه.
قال له أبو العباس البخاري: فهل يخطئ صاحب النبوة؟ قال: لا، ولكن يسهو، كما في حديث ذي اليدين وسهوه وخطاؤه لا يقدحان في الحال التي رشح لها، ووشح بها، جعل سفيراً إلى الخلق من أجلها! بل يحرس حراسة إن لم تنف عنه كل الظنة لم تعلقه كل قرفة.
قلت له في هذا الموضع: فهل يخطئ بقوة النبوة من غير أن يستقرها ويعرض للخلق من أحلها؟