تعجب الخلق من غرائب الأحاديث، وعجائب الضروب، وظرائف الأحوال، عبثاً وسفهاً، وتوكلهم على الله لهواً ولعباً.
ثم قيل: وهذا يتضح بمثال، وليكن ذلك المثال ملكاً في زمانك وبلادك واسع الملك، عظيم الشأن، بعيد الصيت، شائع الذكر، معروفاً بالحكمة، مشهوراً بالحزامة، متصل اليقظة، قد صح عنه أنه يضع الخير في موضعه، ويوقع الشر في موقعه، عنده جزاء كل سيئة، وثواب كل حسنة، قد رتب لبريده، وأصلح الأولياء له، وكذلك نصب لجباية أمواله أقوم الناس بها، ويعاقب ويثيب، ويفقر ويغني، ويحسن ويسيء.
وكذلك لعمارة الأرض أنهض الناس بها، وأنصحهم فيها! وشرف آخر بكتابته لحضرته، وآخر بخلافته ووزارته، في حضره وسفره. إذا نظرت إلى ملكه وجدته موزوناً بسداد الرأي، ومحمود التدبير وأولياؤه حواليه، وحاشيته بين يديه، وكل يخف إلى ما هو منوط به، ويبذل وسعه دونه. والملك يأمر وينهي، ويصدر ويورد، ويحل ويعقد، وينظم ويبدد، ويعد ويوعد، ويبرق ويرعد، ويقدم ويؤخر، ويخلع ويهب، وقد علم صغير أوليائه وكبيرهم، ووضيع رعاياه وشريفهم، ونبيه الناس وخاملهم، أن الرأي الذي يطلق بأمره كذا وكذا صدر من الملك إلى كاتبه، لأنه من جنس المكاتبة وعلائقها، وما يدخل في شرائطها ووثائقها. والرأي الآخر صدر إلى صاحب بريده، لأنه من أحكام البريد وفنونه وما يجري في كليته، والأمر الآخر ألقى إلى صاحب المعونة، لأنه من جنس ما هو مرتب له ومنصوب من أجله؛ والحديث الا الآخر صدر إلى القاضي، لأنه من باب الدين والحكم والقضاء. في كل هذا مسلم إليه ومعصوم به، لا يفتات عليه في شيء، ولا يستبد بشيء دونه، فالأحوال على هذا كلها