ضعف دون ضعف، وتزايد، وبها باينوا كل حيوان دونها مباينة تامة من وجه، وضارعوا مع ذلك كل حيوان دونها مضارعة مختلفة من وجه. فأما وجه المباينة فظاهر بالشكل والتخطيط وانتصاب القامة وسائر الخواص الدالة على ذلك، فله الجزء الذي هو للجنس بالنظر المنطقي. وأما المضارعة المختلفة فمعترف بها بشهادة التصفح وثمرة الاستقراء، ألا ترى أن الإنسان يوجد له زهو كزهو الفرس، وتيه كتيه الطاوس، وحكاية كحكاية القرد، ولقن كلقن الببغاء، ومكر كمكر الثعلب، وسرقة كسرقة العقعق، وعيافة كعيافة الغراب، وجرأة كجرأة الأسد، وجبن كجبن الصفرد، وإلف كألف الكلب. وأشياء من هذا النحو تكثر، وهي تجاه العيون وإزاء العقول؟ فقد بان ووضح القدر الذي حصل لهذه الطائفة وما هو وكم هو، بهذا التعريف والتمثيل.
ثم إن هذه القوة قد ترقى ترقياً بعد ترق حتى تلتبس بالنفس الناطقة التباساً ما، إلا إنه يكون معها ظل من الطبيعة على قلة وكثرة وزيادة ونقصن فيكون الصواب أغلب، العرفان أقرب، والوجدان أكثب، والثقة أكثر، والإستبانة به أخص. وهذه هي قدر ما حصل لجميع من فضل عن العامة في حاله وعلمه.
ثم إن هذه القوة تصفوا في تلك الخطط والمعاني التي هي العقل فيلحظ صاحبها الأمور بحقائقها، مستوعبة بحدودها، مخلصة من موادها، على خاص ما لها من بسائطها. وها هنا يقال: إن الولاية للخبر الآلهي والمعنى الربوبي. وعند ذلك تكون القوتان الأخريان ضعيفتين، أعني قوة الشهوة وقوة الغضب. والجملة تكون الطبيعة معزولة وحكمها كحكم بعض الرعية المسوسة بعزة الساكان الملك العدل. وهذه حال من وصل إليها وحصل عليها، فقد أوفى على رياض القدس وحاز ذخائر النفس، ونقى من أدناس الأنس.
وذكرت ها هنا كلمات تلتاط بما سلف، كنت سمعت أبا سليمان تناقل بها