للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في عروض حديثه عند طيب نفسه. قلت له: لم نسمع من المجنون الحكمة بعد الحكمة؟

فقال: أتسمع من الذي ليس بمجنون الحماقة بعد الحماقة؟ فالبادر من هذا كالبادر من ذاك.

فقال له البخاري: فما هذه الأشباه، وما الجزء فيها وما العلة الجالبة لها؟ فقال: المجنون من جنس العقلي، فبحق هذه المشابهة ما ينطبق بالفائدة ويسبق إلى الحكمة ويطلع على البديهة. وكذلك الغافل من جنس المجنون، فبحق هذا الشبه أيضاً ما يهذي في وقت ويزل في آخر، وينطق بالخطأ وينصر الباطل، وهذا منسوب للذي فيه من حصة الهيولى، يبدر منه هذا النقص، ولذلك القسط الذي فيه من صفة الصورة يبدر منه ذلك الفضل، إلا أن هذين البادرين في هذين الشخصين لا يرفعان الحالين الظاهرين على الشخصين، أعني أن المجنون بقدر ما بدر منه لا يكون عاقلاً، والعاقل بقدر ما بدر منه لا يكون مجنوناً، ثم أيضاً جميع العقلاء والمجانين مختصين على هذا المنهاج.

ثم قال: فهذا الذي يقول به أهل الكلام في طرائقهم، ليس بعقل، وإنما هو شبيه به أو شيء معه ظله أو حكمته وخياله، ولهذا ما ما خالطهم الهوى واستحوذ عليهم التعصب، وحسن عندهم التقليد ودب في نظرهم، وخذلهم اللجاج والصياح، وانفتح باب الحيرة عليهم، وسد باب اليقين عنهم. قال: ولهذا قل تألههم وتنزههم، وصاروا بتكافؤ الأدلة متجاهرين ومتساترين على هذا وجدنا أعلامهم وكبراءهم، ولولا إبثار التقي لذكرت لك أعيانهم وأسماءهم.

سمعت ابن عباد بالري سنة خمسين يقول: طبع العقل على أن يشهد للباطل كما يشهد للحق، ولهذا اختلف العقلاء في جميع أمر الدين والدنيا وهذا أبقاك الله كلام خبيث، وقد تكلمت عليه في كتاب النوادر مع

<<  <   >  >>