القوى. وقال: الأشياء التي لزمتنا في هذا العالم فإن خلافها يلزمنا في ذلك العالم، وذلك أن الذي يلزمنا ها هنا التمني والحس والروية، ونحن هناك لا نتمنى ولا نحس ولا نروي، فلذلك لا نقدر على أن نذكر ذلك العالم لا تحت التذكر، وكل شيء هناك إنما يعلم ولا يذكر، لأن الأشياء هناك حاضرة بحال واحدة ولم تكن بم كانت، لأن كان ويكون من باب الزمان، والزمان أثر من آثار هذا العالم. والأشياء التي في العالم العقلي دائمة لا تتغير ولا تستحيل عن حالها، وهي أفضل وأكرم من الدوام لأن الدوام بها كائن دواماً، ولم تكن هي دائمة الدوام، وليس الدوام غيرها بل هي الدوام، وذلك أن الصفة والموصوف هناك شيء واحد. قيل: فما حاجة النفس والعقل إلى العلة الأولى؟ قال: حاجة المعلوم إلى العلة، فإنه ليس من معلول طبيعي ولا صناعي تنقطع عنه علته إلا فسد وباد، كالحي فإنه إذا فارقته حياته باد وفسد، وكالنامي إذا فارقه النماء باد وفسد، وكذلك الصناعات والتجارات والبناء. وقال: العقل الأول يدرك الأشياء بغتة، والعقل الثاني أيضاً يدركها بغتة، إذا كان متحداً بالعقل الأول، ولا تعوقه عنه الأشياء الهيولانية، فإذا عاقته احتاج أن يتوصل بالمقاييس ويدرك بشيء بعد شيء، وأيضاً العقل الثاني بالوهم هو الذي عليه الأقدار والمسافات الجسمية، وإنما كان الوهم كذلك لأنه يقبل آثار الجسم فيجسم الأشياء وينكر الصورة المجردة، وأما إذا مال إلى العقل الأول اتحد به، فإذا أدى إليه الوهم الإثار التي قبلها من الحس علمها علماً عقلياً، وألقى عنها الأقدار والمسافات، وذلك أنه يعلمها علماً صورياً. وقال: للعقل النفساني طرفان، أحدهما طرف الوهم، والآخر طرف العقل الأول، فأما إذا مال إلى الوهم كان فكراً وروية لا يلتبس عليه الوهم فيريد أن يتخلص، وأما إذا مال إلى العقل الأول كان عقلاً مدركاً بلا روية ولا فكر ولا زمان، فالفكر إنما هو العقل الوهمي والعقل النفساني المدرك بلا وهم ولا فكر، ولا يقدر الوهم على أن يتوهم شيئاً بلا شكل ولا قدر جرى.