للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مواجباته واه ولا حصيف؛ وبين هذين من البادرين محجة الأفعال بالاستطاعة والقدرة والقوة والتمكين والدواعي، لا يد فيها دافع، ولا يمتنع من الاعتراف بذلك ممتنع. فقد شهد العقل في مراتب هذه الأفعال بين ما بدر في الطرفين، ولين ما استمر بينهما، بأن الفاعل الأول يفعل ما يفعل بغير قصد ولا روية ولا اختيار ولا غرض، بشهادة ما بدر من الإنسان في وقت دون وقت، ولو تمت أفعال الإنسان أبداً بلا قصد ولا رؤية ولا غرض ولا إرادة وصار هذا البادر منه مألوفاً، كانت هذه القوى فيه فضلاً أو غبثاً؛ ولو كانت أيضاً تتم أبداً بها ومعها وعندها ومن أجلها، كان مضافاً إليها ومحمولاً عليها، غير موقظ في عرضها على أسراراها، ولا مدعو إلى البحث عنها، ولا منبه على اعتبارها واستتارها، فأعار الله هذا الإنسان هذه القوى إعارة وألبسه هذه الجلابيب إلباساً، وصرفه فيها تصريفاً، فإن يمر بها شيء فلأن المعوق حاش هذا الإنسان إلى الإذعان والطاعة.

قلت له، وقد بلغ بهذا الموضع بعد انبهار وجهد: ولم بدر من الإنسان ما بدر في الأول؟ قال: لأن فيه جنية آلهية، وجزءاً ربانياً، يتسق به ما يتسق، ومن أجله يتفق ما يتفق.

قلت: فلم بدر منه البادر الثاني؟ قال: لأن هيولاه عالية، وطينته سافلة، وصورته التي هو بها ما هو ممتزجة، ولا بد للهيولى من الانفعال الذي هو من شأنها، كما لا بد للصورة من الفعل الذي هو من شأنها، وكل متقدم منها فله أثر منها ظاهر إلى أن يغلب سلطان الصورة فيبطل حكم الانفعال، أو يغلب سلطان الهيولى فيبطل حكم الكمال. والترجح بين هذين هو الذي يسلك إلى الغاية التي يسعد بها وإلى النهاية التي يشقى بها. ونحن نسأل الله عصمة تقي ونعمة تزيد وتنمى

<<  <   >  >>