للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنهم خاصة من ناحية الحق؟ بل ليس الأمر كذلك؟ لأنهم يعتقدون أشياء ممزوجة مشوبة مختلطة كدرة يحكمون فيها أحلام العقل وسماء دره ومحايله، يأخذونها من أشباح الأمور وصفحات الأحوال وظواهر الأشياء، ولذلك ما يزولون عنها بشرعة، ويستوحشون منها عند كل شبهة، وليس كذلك الفلسفة، فإنها علم العلوم، وصناعة الصناعات، لا تعطيك في موضح الشك اليقين، ولا موضح الظن العلم، ولكها تعطيك في كل شيء ما هو خاصته وحقيقته، إن شكا فشكا، وإن يقيناً فيقيناً.

وسنصل بهذه المقابسة في الكتاب ما يكون بياناً وشاهداً بصحته، ولو أن هذه الأوراق اشتملت على نكتة ما فيها فقط، وكان ذلك لا ينكر أنه كاف في معناه، موف على أقصاه، لأن بحر هذا العلم عميق، وقيمته غالية، ولكنا وصلنا نكتة بنكتة، ومقابسة بمقابسة، تذكيراً للعالم، وتفريجاً للنفس، واستدعاء للنشاط، ودلالة علة مواضع السعة والغزارة، ولا تصل منها إلا وهو يوفي على كتاب ضخم إذا حويت على كل ما فيه وكل ما يتعلق به ويصرف فيه وشبهه، فإذا عتبت علي أبقاك الله في بعض التقصير فقارب وأقصد، فلم أضمن لك خلوص ما أقوله عن بعض الشوائب، وإنما عزوت ذلك كله إلى هؤلاء الأعلام الذين كانوا مذكورين في الوقت من غير أن استبددت بشيء عليهم، إلا بما لا بال به، ليحسن ظنك ويقل تعبك بها في تهجينهم، والله يعينك بلطفه، ويواصلك بتوفيقه، إنه قريب مجيب.

<<  <   >  >>