قبل المفعول، وممتنع أن يكون المفعول قبل الفاعل، ويمكن أن فاعلان معاً في مكان، أو منفعلان معاً في زمان، وممكن أن لا يكون فاعلان معاً ولا منفعلان، بل يكون كل واحد منهما منفرداً عن فاعل آخر، وكل منفعل منفصلاً عن منفعل آخر. فهذا كما ترى. مثال آخر: واجب أن يكون الفلك محيطاً بالأرض، وممتنع أن يكون المركز محيطاً بالفلك، ومكن أن يركب الأمير غداً. فلو كان الإمكان حد غير معترف مما تقدم القول فيه، لكان لا يقف على الوضع والفرض والرسم والوهم والظن التخيل، ألا ترى أنك لو نسبت هذا الإمكان إلى الفلك لم يصح! أعني أنه يستحيل أن يقال ممكن عند الفلك وعند الله أن يركب زيد غداً، وفي الأول جاز عندنا ذلك لأنا قلناه تقديراً وتظنيناً ووضعاً وتوهماً! ولا فرض عند الفلك، ولا ظن ولا تقدير ولا توهم أيضاً عند الله، تقدس اسمه وتعالى جده.
وقال آخر من جلة القوم: ليس لشيء وجود ولا وجوب إلا الباري الحق، ولا حقيقة إذاً لشيء إلاله، لأنه هو الواجب، وكل ما عداه فإنما هو واجب به وممتنع به وممكن به، والودود الحق له. فكل وجود يرسم للممكن أو للممتنع فإنما هو بالاستعارة والتقريب والتحلية والتشبيه، فإذاً انسلخ كما عدى العلة الأولى من الوجوب ومن الوجود، إلا على قدر ما يبلغه الفيض ويصل إليه الجود، ويخلص ما هو بالحقيقة وبالتحقيق هو فيه.
هذا مبلغ حاصلي من قول هؤلاء المشايخ، وهم الذين نشرت لك حديثهم وذكرت أسماءهم، وذكرت على مقاماتهم مراراً في هذا الكتاب، وجل النظر في هذه المسئلة على ما انفرشت من الفلسفة الداخلة، أعني الآليهة المحضة. فلهذا ما أتفادى من زيادة لعلها تحط قدر المغزى الذي سلف القول فيه، وسقت المعنى عليه، والسلام.