للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السبائك الذهبية الخام، ومكاييل خاصة يكيلون بها مساحيق الذهب. وقد عمد التجار المكيون إلى استعمال دفاتر حسابات تولوا مسكها، كما استعملوا أختامًا وأساليب معقدة، ورموزًا في الكتابة كانت تثير تهكم البدو لجهلهم بها١.

لم يكن التجار القرشيون يجمدون أموالهم الفائضة، بل كانوا يوظفونها في مشاريع استثمارية خارج الحجاز. فقد كان آل أبي ربيعة يشغِّلون أنوالًا لنسج الحرير في اليمن، وكان لأبي أحيحة الثري الكبير أموال موظفة في مشروعات زراعية في الطائف، ولأبي سفيان أملاك وولايات تجارية في شرق الأردن وفلسطين، ولعقبة بن أبي معيط مركز تجاري في مدينة صفورية بفلسطين.

ومن الدراسات التي قام بها بعض المستشرقين يستدل على أن تجار مكة كانوا يراعون بعض المعاملات التجارية المالية، ويذكر الباحثون بعض الطرق التي كانوا يتبعونها، مثل طريقة عقد القرض، وطريقة الشراكة والمضاربة، إذ كانت تكتب بها صكوك، فيقدم امرؤ مالًا ويأخذ ربحًا، فيصبح شريكًا مضاربًا، دون أن يشترك في العمل.

وثمة طريقة للمضاربة هي أشبه بالميسر، وكانت تؤدي في كثير من الأحيان إلى الإفلاس والفقر، كأن يضارب التاجر على أسعار البضائع الأجنبية قبل ورودها، أو على قدوم القوافل في مواعيدها أو متأخرة، أو يبيعون ويشترون الثمار قبل نضجها وقطافها. وكثيرًا ما كان الفقراء أو البدو البسطاء ضحية أساليب الغش التي يلجأ إليها التجار من ذوي الضمائر الفاسدة، أو الصيارفة الجشعون الذين كانوا يقرضون المال بفائدة فاحشة تزيد على ٥٠ في المائة أو حتى مائة في المائة، أو السماسرة والوسطاء المريبون الذين يبتغون جمع الأموال دونما حاجة إلى رأس مال٢، كما كانوا فريسة للمزورين الذين يكتبون بالقروض المؤداة إلى المدين مستندات يسجلون فيها ضعف المبلغ الذي يؤدونه له، والذين كانوا يستعملون أساليب لا حصر لها في الخداع والغش، فيحصلون على فوائد القروض مضاعفة، وتضاعف كلما تأخر المدين عن أداء الدين السابق، وهو الذي عبر عنه التنزيل الحكيم باسم "الربا" وحرمه.


١ Dermenghem: Ibid. PP, ٢٦, ٢٩, ٣٢.
٢ Demenghem: Ibid. ٣٣.

<<  <   >  >>