للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أقر الإسلام هذه الطقوس لما فيها من فائدة: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ١. وقد أشار التنزيل الحكيم إلى الهدي المقلد أو المجروح بأنه من شعائر الله، وأنه واجب الاحترام ولا يجوز الاعتداء عليه. وكان أصحاب الهدي في الجاهلية يتأثمون من أكل لحوم هديهم، ويتركونها للفقراء والمساكين والبائسين، أو للجوارح من الطير والوحش٢. غير أن الإسلام قد أباح لأصحابها أن يأكلوا منها، وأن يطعموا الفقراء والبائسين والمحتاجين: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ, لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ٣.

الهدايا:

تتلخص موجبات التقديس التي كان يكرسها الجاهليون للقوى التي عبدوها بنوعين من السلوك، فقد قدسوها إما رهبةً وإما رغبةً. قدسوا القوى الشريرة "الجن" لا لأنهم جعلوها في مصاف الآلهة، بل لأنها تملك من القوى الخارقة ما لا يملكه الإنسان، وهي قادرة على الأذى والضرر، فهي في نظرهم فوق البشر، ولكنها دون الآلهة منزلةً. أما التي اعتقدوا فيها الخير من الآلهة، فقد عبدوها رغبة في نوال خيرها ونفعها.

وإن رجاء الإنسان الخير من آلهته، أمر معروف عند جميع الأمم القديمة، وليس أدل على ذلك من أن هذه الشعوب كانت تصطحب معها تماثيل آلهتها في الحرب؛ كي تنصرها على أعدائها. وعمرو بن لحي الخزاعي جلب الأصنام من الشام؛ لأن عبدتها أفهموه أنهم يستسقون بها المطر، ويستنصرون بها على أعدائهم. وكذلك فعل أبو سفيان بن حرب في موقعة أحد، إذ اصطحب كلًّا من اللات والعزى، ليستنصر بهما على المسلمين.

وكان للأنباط والتدمريين آلهة لحماية تجارتهم، يرجون منها أن تبارك أعمالهم التجارية، وتأتي لهم بالربح الوفير، وكذلك كان لعرب الجاهلية في شبه الجزيرة تقاليد


١ [البقرة: ١٩٦] .
٢ أحمد إبراهيم الشريف: المصدر نفسه، ص١٨٢-١٨٤.
٣ [الحج: ٢٧-٢٨] .

<<  <   >  >>