للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مماثلة، إذ كانوا ينذرون لآلهتهم النذور، ويطلبون منها أن تبارك قوافلهم التجارية، وتحفظها عند رحيلها، كما يقدمون لها القرابين عند عودتها سالمة، إعرابًا عن شكرهم لها إذا حفظتها من الأذى.

كما أن للجاهليين حاجات أخرى يتوخون أن تقضيها لهم آلهتهم؛ أن تمنحهم الصحة، وتقيهم من الأمراض، وتحفظ لهم أطفالهم، وأن توفقهم في أعمالهم وتوفر لهم أسباب الرزق والمعيشة. ولكي ترضى عنه الآلهة، وتحقق لهم هذه الأماني، كان عليهم أن يرضوها بالهدايا وهي على نوعين: هدايا تقدم بشروط وهي النذور، وتكون هذه النذور إما معنوية، كأن ينذر المرء للإله إن رزقه ولدًا أن يسميه على اسمه, أو يكرسه لخدمته. أو تكون مادية, كأن ينذر إن قضى له أمرًا أن يقدم له ضحية من حيوان أو مأكل أو مشرب، وفي أحيان نادرة أن يضحي له بأحد أولاده إن رزقه عددا معينا منهم. وكان من نذورهم أن أحدهم ينذر إذا بلغت إبله كذا عددًا، أن يذبح من كل عشرة منها رأسا لآلهته في شهر رجب، والذبيحة تسمى حينئذ "الرجبية أو العتيرة"١.

وقد يقدم للآلهة هدايا دون أن يربط تحقيقها بأي شرط، بل يكون ذلك لاسترضائها؛ كأن يقدموا لها طيوبا كالبخور والصموغ يحرقونها عندها، أو يقدموا لها سيوفا وقلائد وثيابا نفيسة أو حليا يعلقونها عليها, أو يضعوها في حفرة أو مكان خصص لذلك، كالحفرة التي كانت لصنم "اللات" "الغبغب".

أما الضحايا الحيوانية التي يقدمونها لها، فكانوا يذبحونها على مذابح وضعت أمام الصنم أو داخل بيته، وتكون من الحجر المنحوت أو غير المنحوت. وقد تؤخذ كمية من دمها فيلطخ بها الصنم أو تلطخ بها جدران الكعبة، إذا كان الصنم الذي قدمت له فيها. وقد حرم الإسلام تلطيخ الكعبة بالدم, وهذه العملية تسمى نسكا، والذبيحة نسيكة، وكلمة منسك معناها "دم مهرق".

ومن الآية الكريمة: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ٢.


١ الألوسي: ٣/ ٤١.
٢ [الأنعام: ١٣٦] . ومعنى ذرأ: خلق.

<<  <   >  >>