للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفهم أنهم كانوا يعرفون الله إلى جانب الأصنام التي عبدوها، فينذرون له ولها من زروعهم ومواشيهم, لكنهم كانوا يؤثرونها عليه، فيعطونها ما جعلوه من نصيب الله. ويذكر ابن الكلبي مثالا على ذلك، أنه كان لخولان صنم يسمى عميانُس "يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسمًا بينه وبين الله "عز وجل". فما دخل في حق الله من حق عميانس ردوه عليه، وما دخل في حق الصنم من حق الله تركوه له"١.

وفي "المحبر" لابن حبيب "ص٣٣١-٣٣٢": "أن أهل المدر والحرث كانوا إذا حرثوا أو غرسوا غرسًا، خطوا في وسطه خطا ينصفه إلى نصفين، وقالوا: ما دون هذا الخط للآلهة، وما ذرأه لله. فإذا سقط ثمر من القسم الذي جعلوه لله في القسم الذي جعلوه لآلهتهم أبقوه، وإن سقط ثمر من القسم الذي جعلوه لآلهتهم في القسم الذي جعلوه لله ردوه ... وكذلك إذا تسربت المياه من حصة الآلهة إلى حصة الله ردوها، أما إذا كان العكس فلا يردونها"٢.

وقد يلجأ البدو من الجاهليين إلى نذر نذور من الإبل تترك سائبة لا يستفيد منها أحد، كما جاء في الآية الكريمة: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ٣.

وتفسير هذه الأسماء: أن الجاهليين كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن، آخرها ذكر، بحروا أذنها، أي شقوها، وخلوا سبيلها، فلا تُركب ولا تُحَمَّل، فهي "بحيرة". وكان الرجل إذا مرض يقول: إن شفيت فناقتي سائبة، ويجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها. وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكرًا فهو لآلهتهم، وإذا ولدتهما معا قالوا: وصلت الأنثى أخاها فلا يذبح الذكر، وتسمى هي وَصِيلة. وإذا نتج من صلب الفحل عشرة أبطن, حرَّموا ظهره ولم يمنعوه من ماء ولا مرعى, وقالوا: قد حمى ظهره فهو حام, فلما جاء الإسلام منع هذه العادات.


١ الأصنام: ص٤٢.
٢ نبيه عاقل: المصدر نفسه، ص٢٩٩.
٣ [المائدة: ١٠٣] .

<<  <   >  >>