فى (لا رجل) بالبناء إنما هو للمحكوم عليه، وتقوية العموم، والتأكيد فى (ما زيد بمنطلق) الظاهر أنه للانطلاق المنفى، لا لمضمون الجملة، ومما ذكرناه يعلم أنه ليس من هذا الباب الحال المؤكدة، ولا المصدر المؤكد لنفسه، أو
لغيره، فإنهما إنما يؤكدان الفعل.
الثانية: ذكر النحاة من ألفاظ التأكيد (لكن) وينبغى أن يلحق بما نحن فيه، فيكون الخطاب بها طلبيا، أو إنكاريا، وكذلك عدها أيضا التنوخى، لكنه يحتاج إلى زيادة تحقيق؛ لأن من قال من النحاة: إنها للتأكيد مع الاستدراك إنما أراد تأكيد الجملة قبلها، فينبغى أن يقال:(لكن) حرف تأكيد، يكون الخطاب بما قبلها طلبيا، أو إنكاريا، لا الخطاب بما دخلت عليه، أو يقال: هى تأكيد للجملة التى بعدها؛ لاستلزامها حكم ما قبلها؛ لأن الغالب أن ما بعدها ضد ما قبلها، فتأكيد وجودها تأكيد لعدم ما قبلها؛ لأن الضدين لا يجتمعان، فهو تأكيد لما بعدها فى الصورة، وتأكيد لما قبلها فى المعنى. نعم إذا قلنا: إنها مركبة من (لكن) و (أن) - كما هو قول الفراء - أو إنها مركبة من (لا) و (لن) - كما هو رأى الكوفيين - أو إنها مركبة من (لا) و (كاف) التشبيه و (إن) فالتأكيد فيها إن ثبت للجملتين معا؛ لأن (لا) أكدت ما قبلها؛ وإن أكدت ما بعدها.
ومن ألفاظ التأكيد (كان) كما عدها التنوخى، وهو صحيح؛ لأنها إن كانت بسيطة فهى لتأكيد النسبة، وإن كانت مركبة فهى متضمنة (لأن)، فالخطاب بها طلبى، كما سبق، وسيأتى تحقيق معناها فى علم البيان.
ومن ألفاظ التأكيد كما ذكره التنوخى (ليت) و (لعل) ومن ألفاظ التأكيد (لعن) لكن تأكيدها للمفرد لأنها لغة تميم وهم يبدلون همزة أن المفتوحة عينا، فحكمها حكم أن المفتوحة كما سبق.
الثالثة: الذى يظهر ولا ينازع فيه منصف أن تأكيد الجملة يكون لأغراض كثيرة، من جملتها الإنكار وغيره، فربما كان الشخص خالى الذهن وأكد له بأن واللام، وربما كان منكرا ولم يؤكد له، لغرض ما، أو أكد له لغير ذلك. فإن كان ما ذكروه من التأكيد للطالب والمنكر بأن واللام على سبيل المثال فحسن، وإن كانوا يحصرون التأكيد فى خطابهما ويحصرون خطابهما فى صيغة التأكيد فهو فى غاية البعد، ويحتاج إلى تأويل غالب الاستعمالات، ولا ينتهض له دليل، ولا أعتقد أن المبرد أراد ذلك أصلا، فإنه تحجير واسع.