إنكاريا. ومن الغريب أن ابن النفيس قال فى طريق الفصاحة: الجملة الاسمية كقولنا: (زيد قائم) تدل على ثبوت القيام بالمطابقة، فهى أدل من الفعلية، مثل:
(قام زيد)، إذ (قام) يدل على القيام بالتضمن، فلذلك كانت الاسمية أقوى من الفعلية، قلت: وهذا غلط سرى إليه من قول النحاة: إن الفعل يدل على الحدث بالتضمن، ولم يعلم أن دلالة الفعل على كل من حدثه وزمانه، وإن كان بالتضمن؛ لكن دلالة جملة الكلام على كل من حدث الفعل وزمانه بالمطابقة، (فقام زيد) يدل على وقوع القيام فى زمان ماض بالمطابقة.
الخامسة: لم يتعرضوا لتأكيد الجملة الإنشائية؛ لأن هذا الباب معقود للإسناد الخبرى، وسنتكلم عليه فى باب الإنشاء إن شاء الله تعالى.
السادسة: من مؤكدات الجملة أيضا ضمير الفصل؛ فإنه تأكيد - كما سيأتى - وليس تأكيدا للمسند فقط، ولا للمسند إليه فقط كما سيأتى تقريره فى موضعه، ومن المؤكدات أيضا للجملة تقديم الفاعل المعنوى، نحو:(زيد يقوم)، و (أنت لا تكذب)، و (أنا قمت)، إذا لم تجعلها للاختصاص؛ فإنها لتأكيد الحكم، لا لتأكيد المحكوم عليه كما صرح به الجرجانى وغيره. أما (أنا قمت) إذا جعلناه للاختصاص وقلنا: إنه مقدم من تأخير، على أن أصله بدل فيحتمل أن يقال: إنما يفيد الاختصاص، فلا يفيد تقوية الحكم، ويحتمل أن يقال: يفيد مع الاختصاص التقوية، كما قالوا بمثله فى تقديم المعمول، وعلى هذا فيحتمل أن يقال: يفيد تقوية الحكم، كهو إذا لم نجعله للاختصاص، ويحتمل أن يقال: إنما يفيد تقوية المحكوم عليه رعاية لحاله قبل التقديم حين كان بدلا، فإن البدل إنما يؤكد المبدل منه، وهو فى هذا المثال هو المسند إليه، وعلى كل تقدير فلا شك أن نحو:(زيد يقوم) و (أنت لا تكذب) و (أنا قمت) حيث كانت لا تفيد الاختصاص للتقوية والتأكيد، ولعلهم إنما لم يذكروه هنا؛ لأن المسند إليه وإن كان مؤكدا للجملة لكنه جزء من جملة الكلام. وإنما يتكلمون هنا فى التأكيد بما ليس من أجزاء الكلام - كما سيأتى تنبيه المصنف عليه - والخبر فى هذه الأمثلة وإن كان جملة فهو فى حكم المفرد.