ثم أجاب الطيبى عنه بأن المقصود بالتأكيد أن السين فى الإثبات مقابلة (لن) فى النفى، وليس كما قال؛ لأنه لو أراد ذلك لم يقل: السين توكيد للوعد، بل كانت حينئذ توكيدا للموعود به، كما أن (لن) لا تفيد زيادة عن (لا) فى تأكيد الجملة، بل تفيد تأكيد المنفى بها، ولعل الزمخشرى يريد أن السين يحصل بها تربية الفائدة؛ لأنها تفيد أمرين: أحدهما - الوعد، والثانى - الإخبار بظرفه، وأنه متراخ، فهو كالإخبار بالشئ مرتين، ولا شك أن الإخبار بالشئ وتعيين ظرفه مؤذن بتحققه عند المخبر به، لكن لو تم له ذلك وجب أن كل فعل ذكر معه ظرف فيه تأكيد.
ومن مؤكدات الجملة الفعلية (قد) فإنها حرف تحقيق، وهو معنى التأكيد، وإليه أشار الزمخشرى بقوله: فى قوله تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١) معناه هدى لا محالة.
السابعة: لا فرق فى كون (إن) لتأكيد الجملة بين أن تلحقها (ما) أو (لا)، فقولك:
(إنما زيد قائم) يفيد مع الحصر التحقيق، كما صرح به القاضى عبد الوهاب المالكى وهو حق.
الثامنة: من فوائد الوالد - رحمه الله - وهى (زيد قائم) فيه ثلاث تصورات: (زيد) و (قائم) و (النسبة)، وفيها إذا حكمت أمر رابع، وهو إيقاع تلك النسبة إثباتا أو نفيا، فعلم أن نحو:(زيد قائم) ليس فيه إثبات، ولا نفى؛ بل هو محتمل لهما على السواء، فإذا حكمت فقلت:(زيد قائم) فالإثبات؛ مستفاد منه، مع تجريدك إياه عن حرف النفى، فإذا قلت:(إن زيدا قائم) كان آكد فى الإثبات؛ لأن دلالة إن أقوى من دلالة التجرد، ولا تقول: إنها دخلت عليها وأكدتها؛ لأن التجريد مع الحرف لا يجتمعان، وإنما المعنى أنها دخلت على زيد قائم المحتمل للنفى والإثبات؛ فرجحت
طرف الإثبات، وإفادته أقوى من إفادة التجريد؛ لأنها وجودية، والتجريد عدمى، ثم تؤكد تأكيدا أقوى باللام وبالقسم، والدلالات الثلاثة كل منها أقوى من التجرد، وإنما دل التجريد على الإثبات ولم يدل على النفى وإن