كانا بالنسبة إلى اللفظ على السواء؛ لأن حكم الذهن توجه إلى المذكور، وهو وجود ذلك الشئ لا عدمه. هذا فى طرف الإثبات، أما النفى فلاحظ له فى التجرد، فلا بد من شئ يدل عليه، فوضعت له حروف أدناها ما ونحوها، فهى فى طرف النفى كالتجريد فى طرف الإثبات، إلا أنها أقوى قليلا، لأن دلالتها لفظية مستقلة مقصودة، وكذلك (ليس) وفوقهما (لا) فهى لتأكيد النفى، بمعنى أنها لنفى مؤكد، أو بمعنى أنها ترجح طرف النفى المحتمل فى أصل القضية رجحانا قويا، أكثر من ترجيح (ما) و (ليس)، ويدل عليه بناء الاسم معها ليفيد نسبة العموم، وبهذا يعتذر عن قول ابن مالك: إن (لا) لتأكيد النفى، كما أن (إن) لتأكيد الإثبات، فإن جماعة استكرهوا قوله هذا من جهة أن (إن) داخلة على إثبات أكدوه، و (لا) لم تدخل على نفى. قلت: هذه القاعدة ذكرها الوالد - رحمه الله - بحثا، ثم رأيت كلاما فى بعض التعاليق يوافقه، لا أدرى من كلام من هو؟ فأحببت أن أذكره بلفظه، وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله على سيدنا محمد، النبى الأمى، وعلى آل محمد، وسلم تسليما - (وبعد)؛ فإنه كان قد جرى بحث فى شئ ضاق الوقت عن تحقيقه فى ذلك المجلس، فأحببت أن أعلق فيه كلاما مبسوطا مضبوطا؛ ليكون ذلك الضبط مبعدا له عن إنكار سامعيه، والبسط مقربا لمعانيه على الناظر فيه، وذلك أنى كنت ذكرت فى أثناء كلام أن قول القائل:
(زيد قائم) و (قام زيد) ونحو ذلك من الجمل، إذا نظر إلى أصل وضعها فليست موضوعة لتدل على الإثبات من حيث هى، والذى يدل على الإثبات تجردها من علامة النفى، وغيرها من المعانى التى تضاد الإثبات. وإنما هى موضوعة للنسبة الذهنية مطلقا، من غير تعرض لكون النسبة ثابتة، أو منفية، أو مستفهما عنها، أو مشروطة، أو غير ذلك؛ فإذا قلت:(ضرب زيد) فلقولك: (ضرب) معنى معقول عند إفراده، ولقولك:(زيد) معنى، فإذا أسندت ضرب إلى زيد حدث بالإسناد معنى ثالث معقول وهو نسبة مدلول ضرب إلى مدلول زيد، فهذا المعنى الذى هو نسبة الضرب إلى زيد معقول مفهوم، وإن لم يحكم بثبوته ولا بنفيه، كما أن معنى ضرب ومعنى زيد كل