واحد منهما معقول، من قبل أن يحصل بينهما نسبة، ثم حدثت النسبة، وكذلك النسبة معقولة مفهومة، وإن لم يحكم عليها بنفى أو إثبات، ثم بعد تعقل معنى النسبة يحكم بالثبوت والوقوع تارة، وبالنفى أخرى، ويستفهم عنها مرة، ويتمنى أخرى، ويرجى، ويشترط، إلى غير ذلك من الأحوال التى تعرض لها. والذى يدل على ما ذكرناه وجوه (الأول) أن قول القائل: (ما ضرب زيد عمرا) وقوله: (هل ضرب زيد عمرا) اشتركا فى شئ، واختلفا فى شئ، فالذى اشتركا فيه نسبة الضرب إلى زيد وعمرو بجهتى الفاعلية والمفعولية، والذى اختلفا فيه أن الجملة الأولى أفادت نفى تلك النسبة، والثانية أفادت الاستفهام عن تلك النسبة، وطلب العلم بثبوتها، أو انتفائها، فالقدر الذى اشتركا فيه غير ما اختلفا فيه، ولولا أن القدر الذى اشتركا فيه معنى معقول موجود فى الموضعين لما كان المنفى هو المستفهم عنه، وإذا علم أن النسبة متحققة مع المنفى والاستفهام دل على أنها ليست ثبوتا، فإن ثبوت الشئ لا يكون حاصلا مع نفيه، والمستفهم عن الشئ لا يكون مثبتا له؛ نعم لما كانت هذه النسبة تعرض لها أحوال مختلفة جعل الواضع الحكم لكل واحدة من تلك الأحوال دلالة تدل عليها، فجعل للنفى حرفا، وللاستفهام حرفا، وكذلك للتمنى، والشرط، والرجاء، والتنبيه، وغيرها من المعانى اللاتى تعرض لهذه النسبة؛ إلا الإثبات فإنه لما كان أكثر هذه المعانى وقوعا فى الاستعمال، وقد جعل لكل واحد منهما علامة وجودية - جعل علامة الإثبات عدم تلك العلامات قصدا للتخفيف، عند كثرة الاستعمال، وتنبيها على أنه كالأصل الأول، وسائر تلك المعانى كالفرع له. ونظير ذلك فى كلام العرب فى الضمائر أنهم جعلوا لكل واحد من المتكلم، والمخاطب، والمثنى، والمجموع إذا اتصل بالفعل الماضى علامة لفظية، كقولك: ضربت، وضربت، وضربا، وضربوا، وضربن، وضربتما، وضربتم، ونحوها، وقالوا فى المفرد المذكر الغائب:(زيد ضرب) فلم يأتوا فيه بعلامة لفظية، بل كان تجرده عن تلك العلامات كلها دليلا على كونه للمفرد المذكر الغائب، لما لم يشاركه فى ذلك التجرد واحد منها، وحال الحرف مع الاسم والفعل فى مثل ذلك معلومة، تغنى عن الإطالة، والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
(الوجه الثانى): أن قول القائل: (ضرب زيد) لو كان بلفظه دالا على الإثبات، ولم يكن لتجريده عن أدوات الشرط وغيره مدخل فى الدلالة لكان حينئذ دالا على