وبعد أن تحررت هذه القاعدة على التحقيق فنقول: الإسناد إلى الفاعل المعنوى قد يكون والفعل مبنى له لفظا، مثل:(قام زيد) فزيد فاعل لفظا، ومعنى حقيقة، ولا يكون إلى نائبه، لأنك إذا قلت:(ضرب زيد) لم تسند الضرب باعتبار الفاعلية إلى أحد، إنما أسندته باعتبار المفعولية فالفاعل المعنوى ليس المفعول الذى هو نائبه نائبا فى المعنى، بل فى اللفظ فقط، والإسناد إلى المفعول به المعنوى قد يكون مع البناء للفاعل، كما يقول رضيت العيشة، وإن بنيته للمفعول ألبس بالحقيقة كقولك: رضيت العيشة بضم الراء، وعلى هذا القياس، إلا أنه قد يقال: لا يلزم من جعل المفعول فاعلا أن يجعل كذلك الفاعل مفعولا، بل يستعمل منه القاصر، فإن (دفق) فى الأصل متعد، فلما أسندناه إلى الماء قد يقال: إنه صار قاصر بمعنى مندفق، وفيه نظر، وقد يقال: هو متعد، أى دافق نفسه، والظاهر أنا إذا جعلنا المفعول فاعلا انقلب الفاعل مفعولا، ويوضحه ما تقدم فى (سيل مفعم)؛ لأنا إنما قلنا مفعم بالبناء للمفعول؛ لأنا قدرنا أن المفعول هو الفاعل، فقلنا: ملأ الوادى السيل، فلذلك صح بناء الفعل للسيل، فقلنا:(أفعم السيل) فتبعه قولنا سيل مفعم.
ولنرجع حينئذ إلى عبارة المصنف، فقوله: إسناده إلى الفاعل حقيقة لا يريد الفاعل اللفظى، وإلا ورد عليه أن الإسناد المجازى أيضا لا يكون إلا لفاعل لفظى، كما ستراه فى الجميع، وإنما أراد المعنوى ويعنى به ما هو له عند المتكلم فى الظاهر، ولا يريد لما هو له حقيقة، أو بتأويل؛ لأن كل إسناد كذلك، وقوله:(أو المفعول إذا كان مبنيا له) يعنى إسناد الفعل فى نحو: (ضرب زيد عمرا) إلى الفاعل الحقيقى؛ إذا كان الفعل أو معناه مبنيا له، أو إلى المفعول؛ إذا كان الفعل أو معناه مبنيا له. وقيدناه (بالحقيقى) احترازا عن إسناد الفعل لما جعلناه مفعولا به مجازا، فإن الإسناد فيه مجازى كما سبق فى (سيل مفعم)، ولا يصح إطلاق أن الإسناد إلى المفعول والفعل مبنى له حقيقة،
فتصحيح الكلام أن يقال: إسناد الفعل إلى مفعوله الحقيقى والفعل مبنى له حقيقة، مثل:(ضرب زيد)، وكذلك إسناده إلى الفاعل الحقيقى، والفعل مبنى له مثل:(ضرب زيد عمرا) فالأول إسناد الضاربية، والثانى إسناد المضروبية، ولا يكون الإسناد فى هذين إلا حقيقة، والأقسام الآتية وإن صح بناؤها للمفعول فالمفعول الذى بنى الفعل له فيها ليس مفعولا حقيقيا. وقوله:(إلى غيرهما للملابسة) مجاز أى سواء كان مبنيا للفاعل