جموع جزئيات الجمع، وتارة يعنى به أن دلالة المفرد على الشمول أقوى من دلالة الجمع عليه.
إذا تقرر ذلك فنقول: للمفرد والجمع أحوال:
الأول: أن يكونا مثبتين، فالقول بأن استغراق المفرد فى هذه الحالة أشمل، إن عنى به أنه دل على فرد لم يدل عليه الجمع فليس بصحيح قطعا؛ لأن قولك: جاء الرجال استوعب جميع أفراد الرجل، فليس فى قولك: قام الرجل زيادة عليه، وأما ما يتخيل من أن الأعراب والعالمون والذين جموع وهى أعم من العرب والعالم والذى فغير صحيح؛ لأن الأعراب جمع للعرب بمعنى سكان البادية وعالمون والذين، إما جمع لعاقل من مفرديهما أو هما اسما جمع كذلك، وإن عنى به أن مجموع جزئيات الرجل أكثر عددا من مجموع جزئيات الجمع، انبنى ذلك على الخلاف السابق: فى أن الألف واللام هل يسلب الجمع معناه ويصير أفراده آحادا، أو لا؟
إن قلنا: نعم فليس فى: قام الرجال، زيادة أفراد عن قام الرجل قطعا، وإن قلنا:
إن معنى الجمع باق، فأفراد الجمع لا شك أنها أقل من أفراد المفرد، سواء قلنا: دلالة الجمع على الآحاد بالمطابقة أم
بالتضمن، وهذا واضح فى الأفراد المتناهية، لأن قولك:
رأيت العبيد الذين لزيد وهم تسعة فيه أفراد العام ثلاثة، وقولك: رأيت العبد الذى لزيد أفراده تسعة، ويظهر أثر ذلك فيما لو قال: أعط الرجل درهما درهما فعلى هذا يعطى كل واحد درهما، بخلاف: أعط الرجال درهما درهما، فإنه يعطى كل ثلاثة درهما وفى غير المتناهى الظاهر أن الأمر كذلك، لأن الجموع أقل عددا من أفرادها بضرورة العقل وقد يتوقف فى ذلك ويقال: الأكثر والأقل أمر إضافى يتوقف على العدد، وما لا يتناهى لا عدد له فكيف تتعلق به الأكثرية والأقلية وهما إضافيان، وإن عنى به أن دلالة المفرد على الشمول أقوى من دلالة الجمع عليه، فصحيح ولا يستنكر أن يقال: المفرد أشمل بمعنى أن شموله أقوى، لأن الزيادة التى يدل عليها أفعل التفضيل أعم من أن تكون فى الكمية أو فى المعنى، ويشهد له التحقيق والنقل، أما التحقيق فما قدمناه فى القاعدة السابقة، وأما النقل فقال الإمام فى البرهان: هنا أمر ينبغى أن يتفطن له الناظر وهو أن لفظ التمر أحرى باستيعاب الجنس من التمور، فإن التمر يسترسل على الجنس لا بصيغة لفظه والتمور يرده إلى تخييل الوحدان ثم الاستغراق بعده بصيغة