للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غيرى بأكثر هذا النّاس ينخدع (١)

لم يرد أن يعرض بواحد يصفه بأنه ينخدع، بل أراد أنه ليس ممن ينخدع واستعمال غير ومثل هكذا، قال المصنف:

إنه مركوز فى الطباع، ويقدمان أبدا على الفعل إذا قصد هذا، والسر فيه أن تقديمهما يفيد تقوى الحكم، ومما ذكرناه من اشتراط التقديم يعلم عدم صحة التأويل عليه فى قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (٢) ويعلم منه فساد قول الطيبى فى قول الشاعر:

فمن مثل ما فى الكأس عينى تسكب

أنه من هذا الباب.

واعلم أنه يقع فى عبارة كثير أن مثلك لا يفعل معناه أنت لا تفعل، وفيه تسامح، والتحقيق أن مثل فى هذا لا يراد بها الذات بل حقيقة المثل ليكون نفيا عن الذات بطريق برهانى كسائر الكنايات، ثم لا يشترط على هذا أن يكون لتلك الذات الممدوحة مثل فى الخارج حصل النفى عنه، بل هو من باب التخييل الذى يأتى فى الاستعارة.

وقوله: ولم أقل مثلك - أعنى به سواك - لا ينافى ما قلناه؛ فإن معناه لم أعن إفادة الحكم على سواك، بل عنيت إفادة الحكم عليك مريدا للاستعمال فى سواك. وهذا المعنى إنما ينجلى لك إذا تأملت ما ستراه فى باب الكناية، فإن قلت: إنما يكون مثلك لا يفعل كذا نفيا له عن المخاطب بطريق برهانى أن لو كانت المماثلة تستدعى التساوى فى الصفات الذاتية وغيرها من الأفعال، فإن اتفاق الشخصين بالذاتيات لا يستلزم اتحاد أفعالهما.

قلت: ليس المراد بالمثل هنا المصطلح عليه فى العلوم العقلية، بل المراد من هو على مثل حاله فى الصفات المناسبة لما سبق الكلام له، ولا نقول: معناه من هو مثلك فى كل شئ؛ لأن لفظ مثل لا يستدعى المشابهة من كل وجه كما سيأتى تحقيقه فى علم البيان.

(تنبيه): بقى من الكلام على تقديم الاختصاص فوائد نذكرها عند الكلام على تقديم المفعول إن شاء الله تعالى.


(١) البيت للمتنبى، وانظر: شرح التبيان للعكبرى ١/ ٤١٦، وشرح المرشدى على عقود الجمان ١/ ٨٦، ودلائل الإعجاز ١٣٩، ونهاية الإيجاز ٣١٢، وهو مطلع قصيدة يمدح بها سيف الدولة الحمدانى.
(٢) سورة الشورى: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>