وأما الثانى: فلأن قولنا لم يقم إنسان وهى سالبة مهملة فى قوة سالبة كلية، وهى لا شئ من الإنسان بقائم، وهى تقتضى نفى الحكم عن كل فرد، فلو كان دخول" كل" يجعل الحكم على كل فرد لزم أن يكون للتأكيد، فليجعل" كل" لنفى الحكم عن جملة الأفراد ليفيد فائدة تأسيسية.
هذا مضمون ما نقله المصنف، وهو من كلام بدر الدين بن مالك، ولم يمنع المصنف شيئا من هذا الحكم، بل نازع فى صحة التعليل فقال: وفيه نظر ... وذكر أمورا، أحدها: أن النفى عن الجملة فى قولنا: إنسان لم يقم إنما أفاده الإسناد إلى إنسان، فإذا أضيف إليه" كل" انقلب الإسناد إليها فزال ذلك، فيكون النفى الوارد على الأفراد مستفادا من كل لا من الإنسان، لأنه حينئذ غير المسند إليه والنفى عن كل فرد المستفاد من لم يقم إنسان إنما كان من الإسناد إلى إنسان، فإذا دخلت كل وجعلت دالة على كل فرد كانت دلالتها حينئذ تأسيسية لزوال الإسناد إلى إنسان حينئذ فيكون تأسيسا فيهما على التقديرين.
وأجيب بأن المسند إليه فى إنسان لم يقم وفى لم يقم إنسان هو الإنسان، وكذلك المسند إليه فى (كل إنسان لم يقم) وفى (لم يقم كل إنسان) إنما اختلف التعبير فكل إنسان لم يقم إذا كان معناه جملة الأفراد كان تأكيدا، لأنه عبر بكل عن إنسان، وهذا تأكيد؛ لأن التأكيد أن يعبر بلفظ عن شئ بعبارة تقتضى التقوية.
(قلت): وهذا ينبنى على أن المسند إليه فى الكلية هو المضاف أو المضاف إليه، وقد ذكر جماعة من المنطقيين أنه المضاف إليه وهو إنسان لا كل، فإن قلنا بذلك فواضح لأن الإسناد إلى إنسان فى لم يقم كل إنسان باق فى المعنى، فلو استمر العموم لكانت كل تأكيدا، وإن لم نقل به وهو الحق، وقد حققناه فى شرح مختصر ابن الحاجب، والذى قاله المجيب لا شك أنه مراد هذا القائل، فيكون لم يقم كل إنسان إذا جعلنا النفى عن الأفراد تأكيدا باعتبار أنه عبر عنه بلفظ مؤكد كان يمكن أن يعبر عنه بغيره، لكن لا نسلم له حينئذ أن التأسيس باللفظ غير المؤكد خير من التأسيس باللفظ المؤكد، لأن ما ذكره المجيب ينحل إلى أنه صيغة تأسيس تأكيدية فحينئذ يصح اعتراض المصنف الثانى أن لم يقم إنسان إذا اقتضى النفى عن كل فرد فقد اقتضى النفى عن جملة الأفراد فإذا دخلت عليه كل فهى للتأكيد أيضا، وأجيب عنه بأن دلالة لم يقم