للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمضى فى جملتيها؛ فدخولها على المضارع فى نحو: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ (١)، لقصد استمرار الفعل

فيما مضى وقتا فوقتا؛ كما فى قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (٢)

ــ

قوله: (والمضى فى جملتيها) لا خلاف أن جملتى (لو) ماضيان معنى، ومن قال:

إنه يجوز أن يكونا مستقبلين معنى؛ فإنه يجعلها بمعنى إن فليست امتناعية، وأما المضى فى اللفظ فهو الغالب ليطابق اللفظ المعنى، وقد يأتى مضارعا يراد به المضى كقول كعب:

لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل (٣)

وجعل المصنف ذلك إما لإرادة أن ذلك الأمر استمر وقوعه فيما مضى وقتا بعد وقت، هذه عبارته، أى: استمر وقوع عدم الفعل المعلق عليه فيما مضى وقتا بعد وقت؛ ولذلك قال بعضهم: معنى قوله تعالى: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ أن عدم طاعة رسول الله لهم مستمر فى الأزمنة الماضية؛ فإن الفعل المضارع يدل على ذلك كما فى قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وقوله تعالى: وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٤). قال الخطيبى: والفعل وإن دل على التجدد وقتا بعد وقت أيضا، لكن المضارع يدل على الاستمرار دون الماضى؛ فإنه ينقطع عند الاستقبال بخلاف المستقبل، فإن زمنه لا يتناهى.

(قلت): الفعل الماضى يدل على التجدد، بمعنى أنه حصل بعد أن لم يكن وأما إنه يدل على التجدد وقتا بعد وقت ثم ينقطع بخلاف المضارع؛ فإنه يدل على التكرر والاستمرار فلا؛ بل الدال على التكرر هو المضارع فقط، كما سبق، والماضى لا يدل على تكرر منقطع ولا مستمر.

بقى هنا سؤال وهو: أن الفعل المضارع إذا كان مدلوله الاستمرار والتكرار لزم أن تكون (لو) تدل على امتناع الاستمرار مع الفعل المضارع، لا على امتناع أصل الفعل. والأمر بخلافه، وقد تقدم عند قول المصنف، وأما كونه اسما ما يمكن أن يجاب به، وقد يجاب بأن الدال على الاستمرار هو المضارع المراد به المستقبل، أما المراد به الماضى فلا، ولا يمتنع مع هذا أن يعبر بالمضارع وإن لم يفد حينئذ الاستمرار؛ رعاية لما تدل عليه صورته من الاستمرار، وينبغى أيضا أن تقيد دلالة المضارع على الاستمرار بما لم يرد به الحال.


(١) سورة الحجرات: ٧.
(٢) سورة البقرة: ١٥.
(٣) البيت من البسيط، وهو لكعب بن زهير فى ديوانه ص: ٦٦، ومغنى اللبيب ١/ ٢٦٤.
(٤) سورة البقرة: ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>