للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى نحو: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ (١)؛ لتنزيله منزلة الماضى؛ لصدوره عمن لا خلاف فى إخباره؛ كما فى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا (٢)،

ــ

قوله فى نحو: {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} يعنى: إنما أتى هنا بالمضارع لتنزيله منزلة الماضى لكونه ممن لا خلف فى خبره. مقصود المصنف وإن كانت العبارة قلقة: أن المعنى لو رأيت فى الماضى، وإنما أخبر عنه ماضيا وإن كان مستقبلا؛ لأن من خبره لا يخلف يجعل المخبر به كالذى وقع، فلذلك أتى برأيت، ثم عبر بترى رعاية للأصل، فالعلة المذكورة فى كلام المصنف لا تصلح أن تكون للتعبير بالمضارع، بل هى علة لجعل الرؤية المستقبلة ماضية.

(قلت): يجوز أن (لو) فى هذه الآية ونحوها بمعنى الشرط المستقبل إن ثبت أن استعمالها بمعنى (إن)، وإنما لم أقل بمعنى (إن)؛ لأن (إن) للمشكوك فيه، والرؤية المستقبلة فى هذه الآية محققة، وإنما لم أقل بمعنى (إذا) جريا على عبارتهم فى قولهم:

تستعمل (لو) بمعنى (إن)، ولأن (إذا) تدل على ظرفية لا تدل عليها (إن)، ولولا ذلك لقلت: بمعنى (إذا) فإن رؤيته لهم محققة. ولا شك أن قولهم: (لو) تأتى بمعنى (إن) لا يعنون به إلا أنها تكون للشرط فى المستقبل، سواء كان مشكوكا فيه أم محققا؛ لا يقال:

لو كانت بمعنى (إن) لما حذف الجواب؛ لأن الفعل المضارع بعد الشرط لا يحذف جوابه على مذهب البصريين؛ لأنا نقول ذلك فى الشرط الجازم، مثل: (أكرمك إن تقم) لأنهم عللوا ذلك بأن ظهور تأثير الجزم فى أداة الشرط، وعدم ظهوره فى الجواب فيه جمع بين القوة والضعف، وهما متنافيان، فعلمنا بذلك أنه لا يمتنع حذف جواب شرط فعله مضارع إذا لم يكن جازما، سواء كان الشرط فى الماضى، مثل: (ولو ترى)، أم فى المستقبل مثل (إذا). قوله كما فى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا يشير إلى أن رب لا يليها إلا الماضى، سواء كانت (ما) معها كافة أم نكرة موصوفة، فقوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ استعمل فيه الفعل المضارع رعاية للأصل، وأريد به المضى؛ لأنه لما كان محققا صار كأنه قد وقع؛ وهذا بناء على أن الفعل يقدر بما لا يكون إلا ماضى المعنى. وفى المسألة خلاف مشهور.


(١) سورة الأنعام: ٢٧.
(٢) سورة الحجر: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>