للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تنبيه): سلك الوالد رضى الله عنه فى الاختصاص حيث وقع إما بتقديم الفاعل المعنوى، أو بتقديم المعمول مسلكا غير ما هو ظاهر كلام البيانيين.

وها أنا أذكر تصنيفا لطيفا له فى ذلك سماه الاقتناص، وهو:" قد اشتهر كلام الناس فى أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص ومن الناس من ينكر ذلك، ويقول: إنما يفيد الاهتمام، وقد قال سيبويه فى كتابه: وهم يقدمون ما هم به أعنى، والبيانيون على إفادته الاختصاص، ويفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر فإذا قلت: زيدا ضربت، يقول: معناه ما ضربت إلا زيدا، وليس كذلك، وإنما الاختصاص شئ والحصر شئ آخر، والفضلاء لم يذكروا فى ذلك لفظة الحصر، وإنما قالوا: الاختصاص. قال الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (١): وتقديم المفعول لقصد الاختصاص، كقوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ (٢)، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا (٣) والمعنى نخصك بالعبادة، ونخصك بطلب المعونة، وقال فى قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ معناه أفغير الله أعبد بأمركم وقال فى قوله تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا: الهمزة للإنكار، أى: منكرا أن أبغى ربا غيره، وقال فى قوله تعالى: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (٤): إنه أمر بالإخبار بأنه يخص الله وحده دون غيره بعبادته مخلصا له دينه، وقال فى قوله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ (٥): قدم المفعول الذى هو غير دين الله على فعله، لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذى هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل، وقال فى قوله تعالى:

أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٦) إنما قدم المفعول على الفعل للعناية، وقدم المفعول له على المفعول به، لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل فى شركهم، ويجوز أن يكون إفكا مفعولا به يعنى أتريدون إفكا ثم فسر الأول بقوله: آلِهَةً دُونَ اللَّهِ على أنها إفك فى أنفسها، ويجوز أن يكون حالا، فهذه الآيات كلها لم يذكر الزمخشرى لفظ الحصر فى شئ منها، ولا يصح إلا فى الآية الأولى فقط، والقدر المشترك فى الآيات الاهتمام، ويأتى الاختصاص، فى أكثرها، ومثل قوله تعالى:


(١) سورة الفاتحة: ٥.
(٢) سورة الزمر: ٦٤.
(٣) سورة الأنعام: ١٦٤.
(٤) سورة الزمر: ١٤.
(٥) سورة آل عمران: ٨٣.
(٦) سورة الصافات: ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>