للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَإِفْكاً آلِهَةً قوله تعالى: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (١) وما أشبهها لا يأتى فيه إلا الاهتمام، لأن ذلك منكر من غير اختصاص، وقد يتكلف لمعنى الاختصاص فى ذلك كما فى بقية الآيات، وأما الحصر فلا، فإن قلت: فما الفرق بين الاختصاص والحصر؟

قلت: الاختصاص افتعال من الخصوص، والخصوص مركب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء، والثانى معنى منضم إليه يفصله عن غيره، كضرب زيد فإنه أخص من مطلق الضرب، فإذا قلت: ضربت زيدا أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما انضم إليه منك ومن زيد، وهذه المعانى الثلاثة، أعنى: مطلق الضرب، وكونه واقعا منك، وكونه واقعا على زيد، قد يكون قصد

المتكلم لها ثلاثتها على السواء، وقد يترجح قصده لبعضها على بعض، ويعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه؛ فإن الابتداء بالشئ يدل على الاهتمام به وأنه هو الأرجح فى غرض المتكلم، فإذا قلت: زيدا ضربت، علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود، ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان؛ فقد يقصد من جهة عمومه، وقد يقصد من جهه خصوصه، فقصده من جهه خصوصه هو الاختصاص وأنه هو الأعم عند المتكلم وهو الذى قصد إفادته للسامع من غير تعرض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفى، وأما الحصر فمعناه نفى غير المذكور وإثبات المذكور يعبر عنه بما وإلا أو بإنما، فإذا قلت: ما ضربت إلا زيدا، كنت نفيت الضرب عن غير زيد وأثبته لزيد، وهذا المعنى زائد على الاختصاص، وإنما جاء هذا فى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٢) للعلم بأنه لا يعبد غير الله، ولا يستعان بغيره، ألا ترى أن بقية الآيات لم يطرد فيها ذلك فإن قوله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ (٣) لو جعل غير دين الله يبغون فى معنى ما يبغون إلا غير دين الله، وهمزة الإنكار داخلة عليه لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دين الله، ولا شك أن مجرد بغيهم غير دين الله منكر، وكذلك بقية الآيات إذا تأملتها ألا ترى أن: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ (٤) وقع الإنكار فيه على عبادة غير الله من غير حصر، وأن أبغى ربا غيره منكر


(١) سورة سبأ: ٤٠.
(٢) سورة الفاتحة: ٥.
(٣) سورة آل عمران: ٨٣.
(٤) سورة الزمر: ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>